كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

تَكُونُ مُنْعَقِدَةً أَيْضًا. وَأَمَّا إِذَا كَانَ وَاجِبًا فَإِنَّهَا صَادِقَةٌ قَطْعًا وَلاَ تُعَدُّ يَمِينًا. وَإِنْ كَانَ مُسْتَحِيلاً فَهِيَ كَاذِبَةٌ قَطْعًا وَتَكُونُ مُنْعَقِدَةً وَحَانِثَةً. (1)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُسْتَقْبَل إِذَا كَانَ التَّلَفُّظُ بِهَا مَقْصُودًا، وَكَانَ الْحَالِفُ مُخْتَارًا، وَكَانَتْ عَلَى مُمْكِنٍ أَوْ عَلَى إِثْبَاتِ مُسْتَحِيلٍ أَوْ نَفْيِ وَاجِبٍ، لَكِنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ أَخْرَجَ مِنْهَا مَنْ حَلَفَ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ ظَانًّا صِدْقَ نَفْيِهِ فَتَبَيَّنَ بِخِلاَفِهِ، وَمَنْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ ظَانًّا أَنَّهُ يُطِيعُهُ فَلَمْ يُطِعْهُ. (2)
107 - وَتَنَوُّعُ الْيَمِينِ إِلَى الأَْنْوَاعِ الثَّلاَثَةِ الَّتِي أَسَاسُهَا الْكَذِبُ وَعَدَمُهُ هُوَ اصْطِلاَحُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَمُوَافِقُوهُمْ لاَ يُقَسِّمُونَ الْيَمِينَ إِلَى الأَْنْوَاعِ الثَّلاَثَةِ، وَإِنَّمَا يُقَسِّمُونَهَا - مِنْ حَيْثُ الْقَصْدُ وَعَدَمُهُ - إِلَى قِسْمَيْنِ فَقَطْ، وَهُمَا: اللَّغْوُ وَالْمَعْقُودَةُ. فَاللَّغْوُ هِيَ الَّتِي لَمْ تُقْصَدْ، وَكَذَا الَّتِي قُصِدَتْ وَكَانَتْ إِخْبَارًا عَنِ الظَّنِّ، وَالْمَعْقُودَةُ هِيَ الَّتِي قُصِدَتْ وَكَانَتْ لِلْحَمْل أَوِ الْمَنْعِ، أَوْ كَانَتْ لِلإِْخْبَارِ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا عَمْدًا.

أَحْكَامُ الأَْيْمَانِ الْقَسَمِيَّةِ:
حُكْمُ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ:
الْيَمِينُ الْغَمُوسُ لَهَا حُكْمَانِ: حُكْمُ الإِْتْيَانِ بِهَا، وَالْحُكْمُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى تَمَامِهَا.
وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

حُكْمُ الإِْتْيَانِ بِهَا:
108 - الإِْتْيَانُ بِالْيَمِينِ الْغَمُوسِ حَرَامٌ، وَمِنَ الْكَبَائِرِ بِلاَ خِلاَفٍ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الْجُرْأَةِ الْعَظِيمَةِ عَلَى اللَّهِ
__________
(1) أسنى المطالب 4 / 241.
(2) مطالب أولي النهى 6 / 368.
تَعَالَى، حَتَّى قَال الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ؛ كَانَ الْقِيَاسُ عِنْدِي أَنَّ مُتَعَمِّدَ الْحَلِفِ بِاللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْكَذِبِ يَكْفُرُ؛ لأَِنَّ الْيَمِينَ بِهِ عَزَّ وَجَل جُعِلَتْ لِتَعْظِيمِهِ، وَالْمُتَعَمِّدُ لِلْيَمِينِ بِهِ عَلَى الْكَذِبِ مُسْتَخِفٌّ بِهِ، لَكِنَّهُ لاَ يَكْفُرُ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ غَرَضُهُ الْجُرْأَةَ عَلَى اللَّهِ وَالاِسْتِخْفَافَ بِهِ، وَإِنَّمَا غَرَضُهُ الْوُصُول إِلَى مَا يُرِيدُهُ مِنْ تَصْدِيقِ السَّامِعِ لَهُ.
وَنَظِيرُ هَذَا مَا يُرْوَى أَنَّ رَجُلاً سَأَل أَبَا حَنِيفَةَ قَائِلاً: إِنَّ الْعَاصِيَ يُطِيعُ الشَّيْطَانَ، وَمَنْ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ فَقَدْ كَفَرَ، فَكَيْفَ لاَ يَكْفُرُ الْعَاصِي؟ فَقَال: إِنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْعَاصِي هُوَ فِي ظَاهِرِهِ طَاعَةٌ لِلشَّيْطَانِ، وَلَكِنَّهُ لاَ يَقْصِدُ هَذِهِ الطَّاعَةَ فَلاَ يَكْفُرُ؛ لأَِنَّ الْكُفْرَ عَمَل الْقَلْبِ، وَإِنَّمَا يُعَدُّ مُؤْمِنًا عَاصِيًا فَقَطْ.
ثُمَّ إِنَّهُ لاَ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا مِنَ الْكَبَائِرِ أَنْ تَكُونَ جَمِيعُهَا مُسْتَوِيَةً فِي الإِْثْمِ، فَالْكَبَائِرُ تَتَفَاوَتُ دَرَجَاتُهَا حَسَبَ تَفَاوُتِ آثَارِهَا السَّيِّئَةِ، فَالْحَلِفُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ سَفْكُ دَمِ الْبَرِيءِ، أَوْ أَكْل الْمَال بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ نَحْوِهِمَا، أَشَدُّ حُرْمَةً مِنَ الْحَلِفِ الَّذِي لاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.
109 - وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي ذَمِّ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ وَبَيَانِ أَنَّهَا مِنَ الْكَبَائِرِ وَالتَّرْهِيبِ مِنَ الإِْقْدَامِ عَلَيْهَا.
مِنْهَا: مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: مَنْ حَلَفَ عَلَى مَال امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقِّهِ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ (1) قَال عَبْدُ اللَّهِ: ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا رَسُول اللَّهِ
__________
(1) حديث: " من حلف. . . " أخرجه البخاري (الفتح 5 / 239) ط السلفية، ومسلم (1 / 85) نشر دار الآفاق.

الصفحة 286