كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِصْدَاقَهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَل: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً} إِلَى آخِرِ الآْيَةِ (1) .
وَعَنْ وَائِل بْنِ حُجْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال الْحَضْرَمِيُّ: يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّ هَذَا قَدْ غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ كَانَتْ لأَِبِي، فَقَال الْكِنْدِيُّ: هِيَ أَرْضِي فِي يَدِي أَزْرَعُهَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَضْرَمِيِّ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ قَال: لاَ، قَال: فَلَكَ يَمِينُهُ. قَال: يَا رَسُول اللَّهِ: إِنَّ الرَّجُل فَاجِرٌ، لاَ يُبَالِي عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ يَتَوَرَّعُ عَنْ شَيْءٍ. فَقَال: لَيْسَ لَهُ مِنْهُ إِلاَّ يَمِينُهُ. فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ، فَقَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَدْبَرَ: (2) لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مَالٍ لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا، لَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ (3)
وَقَال الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ: الإِْشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَحْلِفُ رَجُلٌ عَلَى مِثْل جَنَاحِ بَعُوضَةٍ إِلاَّ كَانَتْ كَيًّا فِي قَلْبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (4) .
__________
(1) سورة آل عمران / 77.
(2) الظاهر أن الرجل في أثناء الدعوى كان مستقبلا للنبي صلى الله عليه وسلم مستدبرا للقبلة، فلما توجهت عليه اليمين أدبر، ليكون عند المنبر تعظيما لليمين. وتسمى " اليمين المعظمة " كما سبق.
(3) حديث: " ليس لك منه. . . " أخرجه مسلم (1 / 86) نشر دار الآفاق.
(4) حديث: " من أكبر الكبائر: الإشراك بالله. . . " أخرجه الترمذي (4 / 548) نشر مصطفى البابي الحلبي، والحاكم (4 / 296) ط دار الكتاب العربي واللفظ له، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، فَقَال رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُول اللَّهِ؟ قَال: وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ (1) .

التَّرْخِيصُ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ لِلضَّرُورَةِ:
110 - إِنَّ حُرْمَةَ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ هِيَ الأَْصْل، فَإِذَا عَرَضَ مَا يُخْرِجُهَا عَنِ الْحُرْمَةِ لَمْ تَكُنْ حَرَامًا، وَيَدُل عَلَى هَذَا.
(أَوَّلاً) قَوْله تَعَالَى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِْيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (2) .
فَإِذَا كَانَ الإِْكْرَاهُ يُبِيحُ كَلِمَةَ الْكُفْرِ فَإِبَاحَتُهُ لِلْيَمِينِ الْغَمُوسِ أَوْلَى.
(ثَانِيًا) آيَاتُ الاِضْطِرَارِ إِلَى أَكْل الْمَيْتَةِ وَمَا شَاكَلَهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (3) .
فَإِذَا أَبَاحَتِ الضَّرُورَةُ تَنَاوُل الْمُحَرَّمَاتِ أَبَاحَتِ النُّطْقَ بِمَا هُوَ مُحَرَّمٌ.
111 - وَإِلَيْكَ نُصُوصُ بَعْضِ الْمَذَاهِبِ فِي بَيَانِ مَا تَخْرُجُ بِهِ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ عَنِ الْحُرْمَةِ.
(أ) قَال الدَّرْدِيرُ فِي أَقْرَبِ الْمَسَالِكِ وَشَرْحِهِ، وَالصَّاوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ مَا خُلاَصَتُهُ: لاَ يَقَعُ الطَّلاَقُ عَلَى مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الطَّلاَقِ وَلَوْ تَرَكَ التَّوْرِيَةَ مَعَ
__________
(1) حديث: " من اقتطع حق امرئ مسلم. . . " أخرجه مسلم (1 / 85) نشر دار الآفاق.
(2) سورة النحل / 106.
(3) سورة البقرة / 173.

الصفحة 287