كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

إِجْمَالٌ تَوْضِيحُهُ فِيمَا يَلِي:
الأَْصْل فِي الْيَمِينِ الْكَرَاهَةُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَِيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ} (1) وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَل: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} (2) وَلِحَدِيثِ: إِنَّمَا الْحَلِفُ حِنْثٌ أَوْ نَدَمٌ (3) .
وَقَدْ يُقَال: إِنَّ الآْيَةَ الأُْولَى يُحْتَمَل أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا: لاَ تَجْعَلُوا الْحَلِفَ بِاللَّهِ حَاجِزًا لِمَا حَلَفْتُمْ عَلَى تَرْكِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعُرْضَةَ مَعْنَاهَا: الْحَاجِزُ وَالْمَانِعُ، وَالأَْيْمَانُ مَعْنَاهَا: الأُْمُورُ الَّتِي حَلَفْتُمْ عَلَى تَرْكِهَا. وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا: لاَ تَجْعَلُوا اللَّهَ نَصْبًا لأَِيْمَانِكُمْ، فَتَبْذُلُوهُ بِكَثْرَةِ الْحَلِفِ بِهِ فِي كُل حَقٍّ وَبَاطِلٍ؛ لأَِنَّ فِي ذَلِكَ نَوْعَ جُرْأَةٍ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.
فَالآْيَةُ الأُْولَى لاَ تَدُل عَلَى حُكْمِ الْحَلِفِ، وَعَلَى الاِحْتِمَال الثَّانِي تَدُل عَلَى كَرَاهَةِ الإِْكْثَارِ، لاَ كَرَاهَةِ أَصْل الْحَلِفِ.
وَالآْيَةُ الثَّانِيَةُ: يُحْتَمَل أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا طَلَبُ حِفْظِ الأَْيْمَانِ الْمَحْلُوفَةِ عَنِ الْحِنْثِ، إِذَا كَانَ الْوَفَاءُ بِهَا لاَ مَانِعَ مِنْهُ، فَتَدُل عَلَى كَرَاهَةِ الْحِنْثِ أَوْ حُرْمَتِهِ، وَلاَ شَأْنَ لَهَا بِالإِْقْدَامِ عَلَى الْحَلِفِ، وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا طَلَبَ حِفْظِ الأَْيْمَانِ الَّتِي فِي الْقُلُوبِ
__________
(1) سورة البقرة / 224.
(2) سورة المائدة / 89.
(3) حديث: " إنما الحلف حنث أو ندم " قال المناوي: أخرجه ابن ماجه (1 / 680) وأبو يعلى كلاهما من حديث بشار بن كدام عن محمد بن زيد عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا. قال الذهبي: وبشار ضعفه أبو زرعة وغيره (ر: فيض القدير 2 / 560) .
عَنِ الإِْظْهَارِ، فَيَكُونُ الْمَطْلُوبُ تَرْكَ الأَْيْمَانِ حَذَرًا مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْحِنْثِ وَالْكَفَّارَةِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الإِْقْدَامُ عَلَى الْيَمِينِ مَكْرُوهًا إِلاَّ لِعَارِضٍ يُخْرِجُهُ عَنِ الْكَرَاهَةِ إِلَى حُكْمٍ آخَرَ.
وَالْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ بَعْدَ الآْيَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ ضَعِيفُ الإِْسْنَادِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ فَيْضِ الْقَدِيرِ، وَعَلَى فَرْضِ صِحَّتِهِ فَالْحَصْرُ فِيهِ إِنَّمَا يَصِحُّ فِيمَنْ يُكْثِرُ الْحَلِفَ مِنْ غَيْرِ مُبَالاَةٍ، فَيَقَعُ فِي بَعْضِ الأَْحْيَانِ فِي الْحِنْثِ، وَفِي بَعْضِهَا يَأْتِي بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ كَارِهًا لَهُ مُسْتَثْقِلاً إِيَّاهُ، نَادِمًا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ مِنَ الْحَلِفِ.
117 - وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ شَبِيهٌ بِمَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ، إِذِ الأَْصْل عِنْدَهُمُ الإِْبَاحَةُ، إِلاَّ أَنَّهُمْ فَصَّلُوا، فَقَالُوا: تَنْقَسِمُ الْيَمِينُ إِلَى وَاجِبَةٍ، وَمَنْدُوبَةٍ، وَمُبَاحَةٍ، وَمَكْرُوهَةٍ، وَحَرَامٍ.
فَتَجِبُ لإِِنْجَاءِ مَعْصُومٍ مِنْ مَهْلَكَةٍ، وَلَوْ نَفْسَهُ، كَأَيْمَانِ قَسَامَةٍ تَوَجَّهَتْ عَلَى بَرِيءٍ مِنْ دَعْوَى قَتْلٍ.
وَتُنْدَبُ لِمَصْلَحَةٍ، كَإِزَالَةِ حِقْدٍ وَإِصْلاَحٍ بَيْنَ مُتَخَاصِمَيْنِ وَدَفْعِ شَرٍّ وَهُوَ صَادِقٌ فِيهَا.
وَتُبَاحُ عَلَى فِعْلٍ مُبَاحٍ أَوْ تَرْكِهِ، كَمَنْ حَلَفَ لاَ يَأْكُل سَمَكًا مَثَلاً أَوْ لَيَأْكُلَنَّهُ، وَكَالْحَلِفِ عَلَى الْخَبَرِ بِشَيْءٍ هُوَ صَادِقٌ فِيهِ، أَوْ يَظُنُّ أَنَّهُ صَادِقٌ.
وَتُكْرَهُ عَلَى فِعْل مَكْرُوهٍ، كَمَنْ حَلَفَ لَيُصَلِيَنَّ وَهُوَ حَاقِنٌ (1) أَوْ لَيَأْكُلَنَّ بَصَلاً نِيئًا (2) وَمِنْهُ الْحَلِفُ فِي
__________
(1) الحاقن: هو الذي يحبس البول. وإنما كرهت صلاته لمنعه الخشوع.
(2) النيء بكسر النون بوزن الفيل. هو الذي لم ينضج بطبخ أو شي. وقد تبدل الهمزة ياء وتدغم في الياء التي قبلها فيقال: ني بكسر النون وتشديد الياء.

الصفحة 291