كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

حَانِثًا فِي الْحَالَيْنِ عِنْدَ الأَْكْثَرِينَ.
وَمِمَّا يَنْبَغِي التَّنَبُّهُ لَهُ أَيْضًا: أَنَّ التَّوْقِيتَ فِي الْيَمِينِ الْمُؤَقَّتَةِ يَشْمَل التَّوْقِيتَ نَصًّا، وَالتَّوْقِيتَ دَلاَلَةً، كَمَا لَوْ قِيل لإِِنْسَانٍ: أَتَدْخُل دَارَ فُلاَنٍ الْيَوْمَ؟ فَقَال: وَاللَّهِ لأََدْخُلَنَّهَا، أَوْ وَاللَّهِ لاَ أَدْخُلُهَا، فَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مُؤَقَّتٌ بِالْيَوْمِ دَلاَلَةً؛ لِوُقُوعِهِ جَوَابًا عَنِ السُّؤَال الْمُحْتَوِي عَلَى قَيْدِ التَّوْقِيتِ بِالْيَوْمِ، وَهَذَا مِنْ يَمِينِ الْفَوْرِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا وَالْخِلاَفُ فِيهَا.

شَرَائِطُ الْحِنْثِ:
131 - الْجُمْهُورُ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْحِنْثَ هُوَ السَّبَبُ الْوَحِيدُ، أَوْ ثَانِي السَّبَبَيْنِ لِلْكَفَّارَةِ، أَوْ شَرِيطَةٌ لَهَا، لَمْ يُصَرِّحُوا بِشَرَائِطَ لِلْحِنْثِ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا أُمُورًا يَخْتَلِفُ الرَّأْيُ فِيهَا، إِذَا كَانَ الْحِنْثُ فِعْلاً أَوْ تَرْكًا، وَمِنْ هَذِهِ الأُْمُورِ: الْعَمْدُ وَالطَّوَاعِيَةُ وَالتَّذَكُّرُ وَالْعَقْل.
وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لاَ يَشْتَرِطُونَ فِي الْحَلِفِ الطَّوَاعِيَةَ وَلاَ الْعَمْدَ، وَهُمْ لاَ يَشْتَرِطُونَهُمَا فِي الْحِنْثِ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ لاَ يَشْتَرِطُونَ فِيهِ التَّذَكُّرَ وَلاَ الْعَقْل، فَمَنْ حَلَفَ أَوْ حَنِثَ مُخْطِئًا (1) أَوْ مُكْرَهًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَكَذَا مَنْ حَلَفَ أَلاَّ يَفْعَل شَيْئًا فَفَعَلَهُ وَهُوَ ذَاهِلٌ أَوْ سَاهٍ أَوْ نَاسٍ (2) أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.
فَإِنْ لَمْ يَفْعَل الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ، بَل فَعَلَهُ بِهِ غَيْرُهُ قَهْرًا عَنْهُ لَمْ يَحْنَثْ، كَمَا لَوْ حَلَفَ أَلاَّ يَشْرَبَ هَذَا
__________
(1) المراد بالمخطئ من أراد شيئا فسبق لسانه إلى غيره، كما لو أراد أن يقول: أسقني الماء، فقال: والله لا أشرب الماء كما تقدم.
(2) المراد بالساهي: من زال الشيء عن ذهنه. وكذلك الناسي، والذاهل والغافل، لكن فرق بعضهم بين الناسي والساهي: أن الناسي إذا ذكرته تذكر، والساهي بخلافه.
الْمَاءَ، فَصَبَّهُ إِنْسَانٌ فِي حَلْقِهِ قَهْرًا؛ لأَِنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَيْسَ شَارِبًا، فَلَمْ يَفْعَل مَا حَلَفَ عَلَى الاِمْتِنَاعِ مِنْهُ.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ النِّسْيَانِ فِي الْحِنْثِ: مَا لَوْ قَال إِنْسَانٌ: وَاللَّهِ لاَ أَحْلِفُ، ثُمَّ حَلَفَ نَاسِيًا لِهَذِهِ الْيَمِينِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ بِهَذَا الْحَلِفِ الثَّانِي مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ حِنْثًا فِي الْيَمِينِ الأُْولَى، ثُمَّ إِذَا حَنِثَ فِي هَذِهِ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى عَلَى الْقَوْل بِعَدَمِ تَدَاخُل الْكَفَّارَاتِ (1) وَسَيَأْتِي الْخِلاَفُ فِي ذَلِكَ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الْيَمِينَ إِمَّا يَمِينُ بِرٍّ، نَحْوُ وَاللَّهِ لاَ أَفْعَل كَذَا، وَإِمَّا يَمِينُ حِنْثٍ، نَحْوُ وَاللَّهِ لأََفْعَلَنَّ كَذَا.
132 - أَمَّا يَمِينُ الْبِرِّ: فَيَحْنَثُ فِيهَا بِفِعْل مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ - وَكَذَا بِفِعْل بَعْضِهِ إِنْ كَانَ ذَا أَجْزَاءٍ - عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا أَوْ خَطَأً قَلْبِيًّا، بِمَعْنَى اعْتِقَادِ أَنَّهُ غَيْرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِهَا إِذَا لَمْ يُقَيِّدْ يَمِينَهُ بِالْعَمْدِ أَوِ الْعِلْمِ، فَإِنْ قَيَّدَهَا بِالْعَمْدِ، بِأَنْ قَال: لاَ أَفْعَلُهُ عَمْدًا، لَمْ يَحْنَثْ بِالْخَطَأِ، وَإِنْ قَيَّدَ بِالْعِلْمِ، بِأَنْ قَال: لاَ أَفْعَلُهُ عَالِمًا، أَوْ لاَ أَفْعَلُهُ مَا لَمْ أَنْسَ لَمْ يَحْنَثْ بِالنِّسْيَانِ.
وَلاَ يَحْنَثُ فِي يَمِينِ الْبِرِّ بِالْخَطَأِ اللِّسَانِيِّ، كَمَا لَوْ حَلَفَ: لاَ يَذْكُرُ فُلاَنًا، ثُمَّ سَبَقَ لِسَانُهُ بِذِكْرِ اسْمِهِ، وَكَذَا لاَ يَحْنَثُ فِيهَا بِالإِْكْرَاهِ عَلَى فِعْل مَا حَلَفَ عَلَى الاِمْتِنَاعِ مِنْهُ، وَذَلِكَ بِقُيُودٍ سِتَّةٍ:
أ - أَلاَّ يَعْلَمَ أَنَّهُ يُكْرَهُ عَلَى الْفِعْل.
ب - أَلاَّ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِإِكْرَاهِهِ لَهُ
ج - أَلاَّ يَكُونَ الإِْكْرَاهُ شَرْعِيًّا.
__________
(1) حاشية ابن عابدين 3 / 49.

الصفحة 297