كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

بَيَانُ الْكَفَّارَةِ:
138 - كَفَّارَةُ الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى إِذَا حَنِثَ فِيهَا وَهِيَ مُنْعَقِدَةٌ قَدْ ذَكَرَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَل فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ حَيْثُ قَال: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَْيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِين مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (1)
فَقَدْ بَيَّنَتِ الآْيَةُ الْكَرِيمَةُ أَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ الْمَعْقُودَةِ وَاجِبَةٌ عَلَى التَّخْيِيرِ ابْتِدَاءً، وَالتَّرْتِيبِ انْتِهَاءً، فَالْحَالِفُ إِذَا حَنِثَ وَجَبَ عَلَيْهِ إِحْدَى خِصَالٍ ثَلاَثٍ: إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، أَوْ كِسْوَتُهُمْ، أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، فَإِذَا عَجَزَ عَنِ الثَّلاَثِ وَجَبَ عَلَيْهِ صِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ.
وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ نَصٌّ قُرْآنِيٌّ قَاطِعٌ، غَيْرَ أَنَّ فِي التَّفَاصِيل اخْتِلاَفَاتٍ مَنْشَؤُهَا الاِجْتِهَادُ، وَمَوْضِعُ بَسْطِهَا (الْكَفَّارَاتُ) .

هَل تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ بِتَعَدُّدِ الْيَمِينِ؟
139 - لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ يَمِينًا فَحَنِثَ فِيهَا وَأَدَّى مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنَ الْكَفَّارَةِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ يَمِينًا أُخْرَى وَحَنِثَ فِيهَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى، وَلاَ تُغْنِي الْكَفَّارَةُ الأُْولَى عَنْ كَفَّارَةِ الْحِنْثِ فِي هَذِهِ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ.
وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ فِيمَنْ حَلَفَ أَيْمَانًا وَحَنِثَ فِيهَا، ثُمَّ أَرَادَ التَّكْفِيرَ، هَل تَتَدَاخَل الْكَفَّارَاتُ فَتُجْزِئُهُ كَفَّارَةٌ
__________
(1) سورة المائدة / 89.
وَاحِدَةٌ؟ أَوْ لاَ تَتَدَاخَل فَيَجِبُ عَلَيْهِ لِكُل يَمِينٍ كَفَّارَةٌ؟
فَإِنَّ الْكَفَّارَاتِ تَتَدَاخَل عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَأَحَدِ الأَْقْوَال عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَلاَ تَتَدَاخَل عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَلاَ الشَّافِعِيَّةِ. وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي (الْكَفَّارَاتِ) .
وَمِثْل الْحَلِفِ بِاللَّهِ الْحَلِفُ بِالنُّذُورِ، وَمِثْلُهُ أَيْضًا الْحَلِفُ بِالطَّلاَقِ عِنْدَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، كَمَا لَوْ قَال: إِنْ فَعَلْتِ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ، قَاصِدًا الْمَنْعَ، أَوْ يَلْزَمُنِي الطَّلاَقُ إِنْ فَعَلْتِ كَذَا. (1)
أَحْكَامُ الْيَمِينِ التَّعْلِيقِيَّةِ
حُكْمُ تَعْلِيقِ الْكُفْرِ:
140 - سَبَقَ بَيَانُ الْخِلاَفِ فِي أَنَّ تَعْلِيقَ الْكُفْرِ عَلَى مَا لاَ يُرِيدُهُ الإِْنْسَانُ يُعْتَبَرُ يَمِينًا أَوْ لاَ يُعْتَبَرُ.
فَالْقَائِلُونَ بِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ يَمِينًا لاَ يُرَتِّبُونَ عَلَى الْحِنْثِ فِيهِ كَفَّارَةً، فَيَسْتَوِي عِنْدَهُمْ أَنْ يَبَرَّ فِيهِ وَأَنْ يَحْنَثَ، لَكِنَّهُمْ يَذْكُرُونَ حُكْمَ الإِْقْدَامِ عَلَيْهِ. وَالْقَائِلُونَ بِاعْتِبَارِهِ يَمِينًا يَجْعَلُونَهُ فِي مَعْنَى الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى. وَفِي الْبَدَائِعِ مَا خُلاَصَتُهُ: أَنَّ الْحَلِفَ بِأَلْفَاظِ الْكُفْرِ يَمِينٌ اسْتِحْسَانًا؛ لأَِنَّهُ مُتَعَارَفٌ بَيْنَ النَّاسِ، فَإِنَّهُمْ يَحْلِفُونَ بِهَذِهِ الأَْلْفَاظِ مِنْ عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. (2) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حَلِفًا شَرْعِيًّا لَمَا تَعَارَفُوهُ؛ لأَِنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى مَعْصِيَةٌ، فَدَل تَعَارُفُهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ جَعَلُوا ذَلِكَ كِنَايَةً عَنِ الْحَلِفِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَل وَإِنْ لَمْ يَعْقِل
__________
(1) الإنصاف 11 / 44 - 45.
(2) في هذا الكلام نظر ظاهر فليتأمل.

الصفحة 300