كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

الْحَالِفُ حَانِثًا، وَالْبِرُّ فِي الصُّورَةِ الأُْولَى، وَالْحِنْثُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ مُقَارِنَانِ لِتَمَامِ الْيَمِينِ، فَلاَ حُكْمَ لَهُمَا سِوَى حُكْمِ الإِْقْدَامِ.
وَإِنَّمَا يَكُونُ لِلْبِرِّ وَالْحِنْثِ حُكْمٌ مُسْتَقِلٌّ إِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ تَأْكِيدَ الْحَثِّ أَوِ الْمَنْعِ، فَإِنَّهُمَا حِينَئِذٍ يَكُونَانِ مُتَأَخِّرَيْنِ.
وَالْخُلاَصَةُ: أَنَّ تَعْلِيقَ الْكُفْرِ بِقَصْدِ الْيَمِينِ إِنْ كَانَ صَادِقًا أَوْ غَمُوسًا أَوْ لَغْوًا فَلَيْسَ لِلْبِرِّ فِي الأَْوَّل وَالْحِنْثِ فِي الأَْخِيرَيْنِ حُكْمٌ سِوَى حُكْمِ الإِْقْدَامِ عَلَى التَّعْلِيقِ.
وَإِنْ كَانَ مُنْعَقِدًا، فَحُكْمُ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ فِيهِ هُوَ حُكْمُ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى الْمُنْعَقِدَةِ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاخْتِلاَفُ الْفُقَهَاءِ فِيهِ تَفْصِيلاً.

مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْحِنْثِ فِيهِ:
145 - سَبَقَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي تَعْلِيقِ الْكُفْرِ بِقَصْدِ الْيَمِينِ، أَهُوَ يَمِينٌ شَرْعِيَّةٌ أَمْ لاَ؟ فَمَنْ قَال: إِنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ قَال: لاَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ فِيهِ، وَمَنْ قَال: إِنَّهُ يَمِينٌ قَال: إِنَّمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ فِيهِ إِنْ كَانَ مُنْعَقِدًا، فَإِنْ كَانَ لَغْوًا لَمْ تَجِبْ فِيهِ كَفَّارَةٌ، وَإِنْ كَانَ غَمُوسًا فَفِيهِ الْخِلاَفُ الَّذِي فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ بِاللَّهِ تَعَالَى.

أَحْكَامُ تَعْلِيقِ الطَّلاَقِ وَالظِّهَارِ وَالْحَرَامِ وَالْتِزَامِ الْقُرْبَةِ:

مُقَارَنَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى:
146 - سَبَقَ أَنَّ تَعْلِيقَ الْكُفْرِ فِي مَعْنَى الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ يُعْتَبَرُ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِيهَا مِنْ شَرَائِطَ وَأَقْسَامٍ وَأَحْكَامٍ.
وَلَيْسَ لِبَقِيَّةِ التَّعْلِيقَاتِ هَذِهِ الصِّفَةُ، فَهِيَ تُخَالِفُ الْيَمِينَ بِاللَّهِ تَعَالَى فِي أُمُورٍ:
الأَْمْرُ الأَْوَّل: أَنَّهَا تُعْتَبَرُ مِنْ قَبِيل الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ، فَيَنْطَبِقُ عَلَيْهِ حَدِيثُ النَّهْيِ عَنِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ، بِخِلاَفِ تَعْلِيقِ الْكُفْرِ فَقَدْ قَرَّرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنِ الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى، فَلاَ يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ لِذَاتِهِ، لَكِنَّهُمْ قَرَّرُوا أَيْضًا أَنَّ يَمِينَ الطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ إِذَا كَانَتْ لِلاِسْتِيثَاقِ جَازَتْ عَلَى الأَْصَحِّ كَمَا تَقَدَّمَ.
الأَْمْرُ الثَّانِي: أَنَّهَا لاَ تَنْقَسِمُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ إِلَى غَمُوسٍ وَلَغْوٍ وَمُنْعَقِدَةٍ، بَل تُعْتَبَرُ كُلُّهَا مُنْعَقِدَةً، سَوَاءٌ أَقَصَدَ بِهَا تَأْكِيدَ خَبَرٍ أَمْ تَأْكِيدَ حَثٍّ أَوْ مَنْعٍ، فَمَنْ حَلَفَ بِالطَّلاَقِ وَنَحْوِهِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا وَقَعَ طَلاَقُهُ، وَكَذَا مَنْ كَانَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ صَادِقٌ وَكَانَ مُخْطِئًا فِي اعْتِقَادِهِ (1) لأَِنَّ الطَّلاَقَ وَالْعِتْقَ وَالْتِزَامَ الْقُرْبَةِ يَسْتَوِي فِيهَا الْهَزْل وَالْجِدُّ؛ لِحَدِيثِ: ثَلاَثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ وَالطَّلاَقُ وَالرَّجْعَةُ (2) .
وَيُقَاسُ بِالطَّلاَقِ الْعَتَاقُ وَالْتِزَامُ الْقُرْبَةِ، فَإِذَا كَانَ هَزْل هَذِهِ الثَّلاَثَةِ جِدًّا، فَالْكَذِبُ فِي الْحَلِفِ بِهَا يَكُونُ جِدًّا أَيْضًا، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ بِاللَّهِ تَعَالَى كَذَلِكَ؛ لأَِنَّ هَزْلَهَا جِدٌّ أَيْضًا كَمَا سَبَقَ، لَكِنْ لَمْ يُلْحَقْ فِيهَا الْغَمُوسُ وَاللَّغْوُ بِالْهَزْل لأَِدِلَّةٍ أَخْرَجَتْهُمَا.
الأَْمْرُ الثَّالِثُ: أَنَّ هَذِهِ التَّعْلِيقَاتِ يَقَعُ جَزَاؤُهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ بِوُقُوعِ الشَّرْطِ، فَتَعْلِيقُ الطَّلاَقِ يَقَعُ بِهِ الطَّلاَقُ عِنْدَ تَحَقُّقِ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ، وَكَذَا تَعْلِيقُ الْعَتَاقِ، وَأَمَّا تَعْلِيقُ الْتِزَامِ الْقُرْبَةِ فَيُخَيَّرُ الْحَالِفُ بِهِ
__________
(1) البدائع 3 / 8، وبلغة السالك 1 / 330 - 331.
(2) حديث: " ثلاث جدهن جد. . . " سبق تخريجه. (ف 55) .

الصفحة 303