كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 7)

الْمُوَافِقَةَ لِلظَّاهِرِ تُقَدَّمُ عَلَى السَّبَبِ الْمُخَصَّصِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ.
وَمَنْ حَلَفَ لاَ يَشْرَبُ لِفُلاَنٍ مَاءً مِنْ عَطَشٍ، وَكَانَ السَّبَبُ عَدَمَ رِضَاهُ بِمِنَّتِهِ، حَنِثَ بِأَكْل خُبْزِهِ وَاسْتِعَارَةِ دَابَّتِهِ، وَمَا مَاثَل ذَلِكَ مِنْ كُل مَا فِيهِ مِنَّةٌ تَزِيدُ عَلَى شُرْبِ الْمَاءِ مِنَ الْعَطَشِ، بِخِلاَفِ مَا هُوَ أَقَل مِنَّةً مِنْ شُرْبِ الْمَاءِ كَقُعُودِهِ فِي ضَوْءِ نَارِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ عَنِ النِّيَّةِ، فَإِنْ نَوَى ظَاهِرَ اللَّفْظِ عَمِل بِهِ.
وَمَنْ حَلَفَ لاَ يَدْخُل بَلَدًا، وَكَانَ السَّبَبُ ظُلْمًا رَآهُ فِيهَا، أَوْ حَلَفَ لاَ رَأَى مُنْكَرًا إِلاَّ رَفَعَهُ إِلَى الْوَالِي، وَكَانَ السَّبَبُ طَلَبَ الْوَالِي ذَلِكَ مِنْهُ، ثُمَّ زَال الظُّلْمُ فِي الْمِثَال الأَْوَّل، وَعُزِل الْوَالِي فِي الْمِثَال الثَّانِي، لَمْ يَحْنَثْ بِدُخُول الْبَلَدِ بَعْدَ زَوَال الظُّلْمِ، وَلاَ بِتَرْكِ رَفْعِ الْمُنْكَرِ إِلَى الْوَالِي بَعْدَ عَزْلِهِ، فَإِنْ عَادَ الظُّلْمُ أَوْ عَادَ الْوَالِي لِلْحُكْمِ حَنِثَ بِمُخَالَفَةِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَيَسْتَوِي فِي هَذَا الْحُكْمِ مَا لَوْ أَطْلَقَ الْحَالِفُ لَفْظَهُ عَنِ النِّيَّةِ، وَمَا لَوْ نَوَى التَّقْيِيدَ بِدَوَامِ الْوَصْفِ الْحَامِل عَلَى الْيَمِينِ.
166 - هَذَا وَإِذَا تَعَارَضَتِ النِّيَّةُ وَالسَّبَبُ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا مُوَافِقًا لِظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَالثَّانِي أَعَمُّ مِنْهُ عَمِل بِالْمُوَافِقِ، فَمَنْ حَلَفَ لاَ يَأْوِي مَعَ امْرَأَتِهِ بِدَارِ فُلاَنٍ نَاوِيًا جَفَاءَهَا، وَكَانَ السَّبَبُ الْحَامِل عَلَى الْيَمِينِ هُوَ عَدَمُ مُلاَءَمَةِ الدَّارِ عَمِل بِالسَّبَبِ، فَلاَ يَحْنَثُ بِاجْتِمَاعِهِ مَعَهَا فِي دَارٍ أُخْرَى، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِنِيَّتِهِ. فَإِنْ كَانَ نَاوِيًا عَدَمَ الاِجْتِمَاعِ مَعَهَا فِي الدَّارِ بِخُصُوصِهَا، وَكَانَ السَّبَبُ الْحَامِل عَلَى الْيَمِينِ يَدْعُو إِلَى الْجَفَاءِ الْعَامِّ فَالْحُكْمُ كَمَا سَبَقَ، عَمَلاً بِالنِّيَّةِ الْمُوَافِقَةِ لِلظَّاهِرِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُخَالِفًا
لِلسَّبَبِ. فَإِنْ وُجِدَتْ نِيَّةٌ وَلاَ سَبَبَ، أَوْ كَانَ السَّبَبُ يَدْعُو إِلَى الْجَفَاءِ وَلاَ نِيَّةَ، أَوِ اتَّفَقَا مَعًا فِي الْجَفَاءِ حَنِثَ بِالاِجْتِمَاعِ مَعَهَا مُطْلَقًا، وَإِنِ اتَّفَقَا فِي تَخْصِيصِ الدَّارِ لَمْ يَحْنَثْ بِغَيْرِهَا. (1)
الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ: مُرَاعَاةُ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ وَالْقَوْلِيِّ وَالشَّرْعِيِّ وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ:
167 - مَنْ تَصَفَّحَ كُتُبَ الْمَذَاهِبِ وَجَدَ عِبَارَاتِهَا فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ تَخْتَلِفُ.
فَالْحَنَفِيَّةُ يَذْكُرُونَ مُرَاعَاةَ الْعُرْفِ فَاللُّغَةَ، وَلاَ يُقَسِّمُونَ الْعُرْفَ إِلَى فِعْلِيٍّ وَقَوْلِيٍّ وَشَرْعِيٍّ، وَلَعَلَّهُمُ اكْتَفَوْا بِأَنَّ الْكَلِمَةَ إِذَا أُطْلِقَتْ لَمْ تَتَنَازَعْهَا أَعْرَافٌ مُخْتَلِفَةٌ؛ لأَِنَّهَا قَدْ يَكُونُ الْمَشْهُورُ فِيهَا هُوَ الْفِعْلِيُّ فَقَطْ أَوِ الْقَوْلِيُّ فَقَطْ أَوِ الشَّرْعِيُّ فَقَطْ، فَلاَ حَاجَةَ لِتَرْتِيبِهَا.
وَالْمَالِكِيَّةُ ذَكَرَ بَعْضُهُمُ الْعُرْفَ الْفِعْلِيَّ وَقَدَّمَهُ عَلَى الْقَوْلِيِّ، وَأَغْفَلَهُ بَعْضُهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّمَ الشَّرْعِيَّ عَلَى اللُّغَوِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ.
وَالشَّافِعِيَّةُ لَمْ يُفَصِّلُوا فِي الْعُرْفِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ تَارَةً يُقَدِّمُونَ الْعُرْفَ عَلَى اللُّغَةِ، وَتَارَةً يَعْكِسُونَ.
وَالْحَنَابِلَةُ قَدَّمُوا الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ، وَأَتْبَعُوهُ بِالْعُرْفِيِّ فَاللُّغَوِيِّ، وَلَمْ يُقَسِّمُوا الْعُرْفِيَّ إِلَى فِعْلِيٍّ وَقَوْلِيٍّ.

أ - مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ:
168 - الأَْصْل فِي الأَْلْفَاظِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا الْحَالِفُ أَنْ يُرَاعِيَ فِيهَا مَعْنَى الْمُفْرَدَاتِ فِي اللُّغَةِ، وَأَنْ يُرَاعِيَ الْمَعْنَى التَّرْكِيبِيَّ مِنْ عُمُومٍ وَخُصُوصٍ وَإِطْلاَقٍ وَتَقْيِيدٍ بِالْوَقْتِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنَ الْقُيُودِ، وَمَعَانِي الْحُرُوفِ الَّتِي فِيهَا كَالْوَاوِ وَالْفَاءِ وَثُمَّ وَأَوْ.
__________
(1) مطالب أولي النهى 6 / 381 - 389.

الصفحة 311