كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 8)
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُؤْمِنَ الْمُحْتَرِفَ. (1)
وَمَرَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْمٍ فَقَال: مَا أَنْتُمْ؟ قَالُوا مُتَوَكِّلُونَ قَال: لاَ بَل أَنْتُمْ مُتَأَكِّلُونَ، إِنَّمَا الْمُتَوَكِّل مَنْ أَلْقَى حَبَّةً فِي الأَْرْضِ، وَتَوَكَّل عَلَى رَبِّهِ. فَلَيْسَ فِي طَلَبِ الْمَعَاشِ وَالْمُضِيِّ فِي الأَْسْبَابِ عَلَى تَدْبِيرِ اللَّهِ تَرْكُ التَّفْوِيضِ، وَالتَّوَكُّل إِنَّمَا هُوَ بِالْقَلْبِ، وَتَرْكُ التَّوَكُّل يَكُونُ إِذَا غَفَل عَنِ اللَّهِ، وَاعْتَمَدَ عَلَى الأَْسْبَابِ وَنَسِيَ مُسَبِّبَهَا، وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا نَظَرَ إِلَى ذِي سِيمَا سَأَل: أَلَهُ حِرْفَةٌ؟ فَإِنْ قِيل: لاَ، سَقَطَ مِنْ عَيْنِهِ.
الْعِبَادَةُ لَيْسَتْ مُسَوِّغًا لِلْبَطَالَةِ:
4 - يَرَى الْفُقَهَاءُ: أَنَّ الْعِبَادَةَ لَيْسَتْ مُسَوِّغًا لِلْبَطَالَةِ، وَأَنَّ الإِْسْلاَمَ لاَ يُقِرُّ الْبَطَالَةَ مِنْ أَجْل الاِنْقِطَاعِ لِلْعِبَادَةِ؛ لأَِنَّ فِي هَذَا تَعْطِيلاً لِلدُّنْيَا الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عِبَادَهُ بِالسَّعْيِ فِيهَا، قَال تَعَالَى {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} (2) وَقَال
__________
(1) الحديث سبق تخريجه (ف / 2) .
(2) سورة الملك / 15.
جَل شَأْنُهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} وَأَعْقَبَهَا بِقَوْلِهِ {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَْرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْل اللَّهِ} (1)
وَوَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى شَخْصٍ، قَالُوا لَهُ عَنْهُ إِنَّهُ كَانَ يَقُومُ اللَّيْل وَيَصُومُ النَّهَارَ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ لِلْعِبَادَةِ انْقِطَاعًا كُلِّيًّا، فَسَأَل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّنْ يَعُولُهُ؟ فَقَالُوا: كُلُّنَا. فَقَال: عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كُلُّكُمْ أَفْضَل مِنْهُ. (2)
أَثَرُ الْبَطَالَةِ فِي طَلَبِ الْمُتَعَطِّل نَفَقَةً لَهُ:
5 - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الاِبْنِ الْمُتَعَطِّل عَنِ الْعَمَل - مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْكَسْبِ - لاَ تَجِبُ عَلَى أَبِيهِ؛ لأَِنَّ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِهَا: أَنْ يَكُونَ عَاجِزًا عَنِ الْكَسْبِ، وَالْعَاجِزُ عَنِ الْكَسْبِ هُوَ مَنْ لاَ يُمْكِنُهُ اكْتِسَابُ مَعِيشَتِهِ بِالْوَسَائِل الْمَشْرُوعَةِ الْمُعْتَادَةِ، وَالْقَادِرُ غَنِيٌّ بِقُدْرَتِهِ، وَيَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَكَسَّبَ بِهَا وَيُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ، وَلاَ يَكُونُ فِي حَالَةِ ضَرُورَةٍ يَتَعَرَّضُ فِيهَا لِلْهَلاَكِ. (3)
__________
(1) سورة الجمعة / 10.
(2) حديث: " كلكم أفضل منه. . . " أخرجه ابن قتيبة في عيون الأخبار (1 / 26 - ط مطبعة دار الكتب المصرية) من حديث مسلم بن يسار وإسناده ضعيف لإرساله.
(3) حاشية ابن عابدين 2 / 670 وما بعدها ط دار إحياء التراث العربي بيروت، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2 / 518، 524 ط عيسى الحلبي بمصر، ونهاية المحتاج 7 / 201، 209 ط المكتبة الإسلامية، وكشاف القناع 5 / 476، 481 ط مكتبة النصر الحديثة.
الصفحة 101