كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 8)

وَأَوْرَدَ لِذَلِكَ عِدَّةَ أَمْثِلَةٍ مِنْهَا:
أ - لَوْ قَال: بِعْتُكَ دَمِي بِأَلْفٍ، فَقَتَلَهُ وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَلاَ يُعْتَبَرُ مَا فِي ضِمْنِهِ مِنَ الإِْذْنِ بِقَتْلِهِ.
ب - التَّعَاطِي ضِمْنَ عَقْدٍ فَاسِدٍ أَوْ بَاطِلٍ لاَ يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ. (1)
ج - لَوْ أَبْرَأَهُ أَوْ أَقَرَّ لَهُ ضِمْنَ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَسَدَ الإِْبْرَاءُ.
د - لَوْ جَدَّدَ النِّكَاحَ لِمَنْكُوحَتِهِ بِمَهْرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لأَِنَّ النِّكَاحَ الثَّانِي لَمْ يَصِحَّ، فَلَمْ يَلْزَمْ مَا فِي ضِمْنِهِ مِنَ الْمَهْرِ.
إِلاَّ أَنَّ أَغْلَبَ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ تُجْرِي الْقَاعِدَةَ عَلَى الْفَسَادِ لاَ عَلَى الْبُطْلاَنِ؛ لأَِنَّ الْبَاطِل مَعْدُومٌ شَرْعًا أَصْلاً وَوَصْفًا، وَالْمَعْدُومُ لاَ يَتَضَمَّنُ شَيْئًا، أَمَّا الْفَاسِدُ فَهُوَ فَائِتُ الْوَصْفِ دُونَ الأَْصْل، فَلَمْ يَكُنْ مَعْدُومًا بِأَصْلِهِ فَصَحَّ أَنْ يَكُونَ مُتَضَمَّنًا، فَإِنْ فَسَدَ الْمُتَضَمِّنُ فَسَدَ الْمُتَضَمَّنُ. (2)
17 - هَذَا وَالْمَذَاهِبُ الأُْخْرَى - وَهِيَ الَّتِي لاَ
__________
(1) المقصود بالتعاطي هنا تسليم المعقود عليه، فلو اتفق شخص مع صانع على أن يصنع له شيئا، ولم يحدد أجلا للتسليم، كان العقد فاسدا، ومن ثم فلا يترتب على التسليم بعد ذلك أثرـ يراجع شرح الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 592.
(2) حاشية ابن عابدين 4 / 39، 40، وحاشية الشلبي على الزيلعي 4 / 12، وفتح القدير وهوامشه 5 / 490 نشر دار إحياء التراث العربي، والبحر الرائق 5 / 327، والاختيار 2 / 7، والبدائع 5 / 173.
تُفَرِّقُ بَيْنَ الْبُطْلاَنِ وَالْفَسَادِ - تَسِيرُ عَلَى هَذَا النَّهْجِ، وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ صُوَرًا. فَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ: الْفَاسِدُ مِنَ الْعُقُودِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلإِْذْنِ، إِذَا صَدَرَتْ مِنَ الْمَأْذُونِ، صَحَّتْ، كَمَا فِي الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ إِذَا أَفْسَدْنَاهَا فَتَصَرُّفُ الْوَكِيل، صَحَّ لِوُجُودِ الإِْذْنِ، وَالْوَكِيل بِالْبَيْعِ مَعَ شَرْطِ عِوَضٍ فَاسِدٍ لِلْوَكِيل، فَالإِْذْنُ صَحِيحٌ وَالْعِوَضُ فَاسِدٌ. (1)
وَفِي الْقَوَاعِدِ لاِبْنِ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيِّ: (2) الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ كَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ لاَ يَمْنَعُ فَسَادُهَا نُفُوذَ الْمُتَصَرِّفِ فِيهَا بِالإِْذْنِ. ثُمَّ يُفَرِّقُ بَيْنَ الإِْذْنِ فِي الْبَيْعِ - وَهُوَ عَقْدُ تَمْلِيكٍ - وَبَيْنَ الإِْذْنِ فِي الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، فَيَقُول: الْبَيْعُ وُضِعَ لِنَقْل الْمِلْكِ لاَ لِلإِْذْنِ، وَصِحَّةُ التَّصَرُّفِ فِيهِ تُسْتَفَادُ مِنَ الْمِلْكِ لاَ مِنَ الإِْذْنِ، بِخِلاَفِ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلإِْذْنِ.
وَيَقُول ابْنُ قُدَامَةَ: (3) إِذَا تَصَرَّفَ الْعَامِل فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ؛ لأَِنَّهُ أُذِنَ لَهُ فِيهِ، فَإِذَا بَطَل الْعَقْدُ بَقِيَ الإِْذْنُ، فَمَلَكَ بِهِ التَّصَرُّفَ.
وَقَوَاعِدُ الْمَالِكِيَّةِ لاَ تَأْبَى ذَلِكَ. (4)
__________
(1) المنثور في القواعد 3 / 15، 2 / 409، ونهاية المحتاج 5 / 228، 229، والجمل 3 / 517، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 119 ط مصطفى الحلبي.
(2) القواعد لابن رجب / 64، 65، 66.
(3) المغني 5 / 72.
(4) الكافي لابن عبد البر 2 / 777.

الصفحة 114