كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 8)
بِالإِْصْلاَحِ قَبْل الْقِتَال فَقَال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} . (1) وَلأَِنَّ الْمَقْصُودَ كَفُّهُمْ وَدَفْعُ شَرِّهِمْ، لاَ قَتْلُهُمْ. فَإِذَا أَمْكَنَ بِمُجَرَّدِ الْقَوْل كَانَ أَوْلَى مِنَ الْقِتَال؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ بِالْفَرِيقَيْنِ. وَلاَ يَجُوزُ قِتَالُهُمْ قَبْل ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ يُخَافَ شَرُّهُمْ. (2) وَإِنْ طَلَبُوا الإِْنْظَارَ - وَكَانَ الظَّاهِرُ مِنْ قَصْدِهِمُ الرُّجُوعَ إِلَى الطَّاعَةِ - أَمْهَلَهُمْ.
قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُل مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ. (3) وَقَال أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ: يُنْظِرُهُمْ إِلَى مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ كَيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ. (4)
وَإِنْ أَصَرُّوا عَلَى بَغْيِهِمْ، بَعْدَ أَنْ بَعَثَ إِلَيْهِمْ أَمِينًا نَاصِحًا لِدَعْوَتِهِمْ، نَصَحَهُمْ نَدْبًا بِوَعْظٍ تَرْغِيبًا وَتَرْهِيبًا، وَحَسَّنَ لَهُمُ اتِّحَادَ كَلِمَةِ الدِّينِ وَعَدَمَ شَمَاتَةِ الْكَافِرِينَ، فَإِنْ أَصَرُّوا آذَنَهُمْ بِالْقِتَال. (5)
وَإِنْ قَاتَلَهُمْ بِلاَ دَعْوَةٍ جَازَ؛ لأَِنَّ الدَّعْوَةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ. (6)
__________
(1) سورة الحجرات / 9.
(2) المغني 8 / 108، وكشاف القناع6 / 162.
(3) المغني 8 / 108.
(4) المهذب 2 / 219.
(5) نهاية المحتاج 7 / 386.
(6) تبيين الحقائق 3 / 294، والدر وحاشية ابن عابدين 3 / 311.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: يَجِبُ إِنْذَارُهُمْ وَدَعْوَتُهُمْ مَا لَمْ يُعَاجِلُوهُ. (1)
وَكَوْنُ الْمَبْعُوثِ إِلَيْهِمْ عَارِفًا فَطِنًا وَاجِبٌ، إِنْ بُعِثَ لِلْمُنَاظَرَةِ وَكَشْفِ الشُّبْهَةِ، وَإِلاَّ فَمُسْتَحَبٌّ. (2)
وَفَصَّل الْكَاسَانِيُّ فَقَال: إِنْ عَلِمَ الإِْمَامُ أَنَّهُمْ يُجَهِّزُونَ السِّلاَحَ وَيَتَأَهَّبُونَ لِلْقِتَال، فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُمْ، وَيَحْبِسَهُمْ حَتَّى يَتُوبُوا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ حَتَّى تَعَسْكَرُوا وَتَأَهَّبُوا لِلْقِتَال، فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى رَأْيِ الْجَمَاعَةِ أَوَّلاً، فَإِنَّ الإِْمَامَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا خَرَجَ عَلَيْهِ أَهْل حَرُورَاءَ، نَدَبَ إِلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِيَدْعُوَهُمْ إِلَى الْعَدْل، فَإِنْ أَجَابُوا كَفَّ عَنْهُمْ وَإِنْ أَبَوْا قَاتَلَهُمْ. . . وَإِنْ قَاتَلَهُمْ قَبْل الدَّعْوَةِ لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لأَِنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ بَلَغَتْهُمْ، فَهُمْ مُسْلِمُونَ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ. (3)
وَقَدْ أَسْنَدَ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: لَمَّا خَرَجَتِ الْحَرُورِيَّةُ اعْتَزَلُوا فِي دَارٍ، وَكَانُوا سِتَّةَ آلاَفٍ، فَقُلْتُ لِعَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ: لَعَلِّي أُكَلِّمُ هَؤُلاَءِ الْقَوْمَ. قَال إِنِّي أَخَافُهُمْ عَلَيْكَ. قُلْتُ: كَلاَّ. فَلَبِسْتُ ثِيَابِي، وَمَضَيْتُ إِلَيْهِمْ، حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ.
__________
(1) الشرح الصغير4 / 428.
(2) نهاية المحتاج 7 / 385.
(3) البدائع 7 / 140.
الصفحة 136