كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 8)

صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآْخَرِ (1) وَلأَِنَّ كُل مَنْ ثَبَتَتْ إِمَامَتُهُ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ؛ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ يَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ. . . . (2)

شُرُوطُ قِتَال الْبُغَاةِ وَمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ:
13 - إِذَا لَمْ يُجْدِ مَعَ الْبُغَاةِ النُّصْحُ، وَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لِلرُّجُوعِ إِلَى طَاعَةِ الإِْمَامِ وَالدُّخُول فِي الْجَمَاعَةِ، أَوْ لَمْ يَقْبَلُوا الاِسْتِتَابَةَ - إِنْ كَانُوا فِي قَبْضَةِ الإِْمَامِ - وَرَأَوْا مُقَاتَلَتَنَا وَجَبَ قِتَالُهُمْ (3) . بِشَرْطِ أَنْ يَتَعَرَّضُوا لِحُرُمَاتِ أَهْل الْعَدْل، أَوْ يَتَعَطَّل جِهَادُ الْمُشْرِكِينَ بِهِمْ، أَوْ يَأْخُذُوا مِنْ حُقُوقِ بَيْتِ الْمَال مَا لَيْسَ لَهُمْ، أَوْ يَمْتَنِعُوا مِنْ دَفْعِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ، أَوْ يَتَظَاهَرُوا عَلَى خَلْعِ الإِْمَامِ الَّذِي انْعَقَدَتْ لَهُ الْبَيْعَةُ. عَلَى مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَقَال الرَّمْلِيُّ: الأَْوْجَهُ وُجُوبُ قِتَالِهِمْ مُطْلَقًا؛ لأَِنَّ بِبَقَائِهِمْ - وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَا ذُكِرَ - تَتَوَلَّدُ مَفَاسِدُ، قَدْ لاَ تُتَدَارَكُ مَا دَامُوا قَدْ خَرَجُوا عَنْ قَبْضَةِ الإِْمَامِ وَتَهَيَّئُوا لِلْقِتَال (4) .
وَلَوِ انْدَفَعَ شَرُّهُمْ بِمَا هُوَ أَهْوَنُ وَجَبَ بِقَدْرِ مَا يَنْدَفِعُ؛ إِذْ يُشْتَرَطُ لِمُقَاتَلَتِهِمْ أَنْ يَتَعَيَّنَ الْقِتَال
__________
(1) حديث: " من أعطي إماما صفقة يده. . . " أخرجه مسلم (3 / 1473 ـ ط الحلبي) .
(2) المغني 8 / 104، 105.
(3) حاشية ابن عابدين 3 / 310، والتاج والإكليل 6 / 278، والمغني 8 / 105.
(4) نهاية المحتاج 7 / 386، والمهذب 2 / 222.
لِدَفْعِ شَرِّهِمْ، وَإِذَا أَمْكَنَ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الْقَوْل كَانَ أَوْلَى مِنَ الْقِتَال (1) .

كَيْفِيَّةُ قِتَال الْبُغَاةِ:
14 - الأَْصْل أَنَّ قِتَالَهُمْ إِنَّمَا يَكُونُ دَرْءًا لِتَفْرِيقِ الْكَلِمَةِ، مَعَ عَدَمِ التَّأْثِيمِ؛ لأَِنَّهُمْ مُتَأَوِّلُونَ، وَلِذَا فَإِنَّ قِتَالَهُمْ يَفْتَرِقُ عَنْ قِتَال الْكُفَّارِ بِأَحَدَ عَشَرَ وَجْهًا: أَنْ يَقْصِدَ بِالْقِتَال رَدْعَهُمْ لاَ قَتْلَهُمْ، وَأَنْ يَكُفَّ عَنْ مُدْبِرِهِمْ، وَلاَ يُجْهِزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ (2) ، وَلاَ تُقْتَل أَسْرَاهُمْ، وَلاَ تُغْنَمُ أَمْوَالُهُمْ، وَلاَ تُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ، وَلاَ يُسْتَعَانُ عَلَيْهِمْ بِمُشْرِكٍ، وَلاَ يُوَادِعُهُمْ عَلَى مَالٍ، وَلاَ تُنْصَبُ عَلَيْهِمُ الْعَرَّادَاتُ (الْمَجَانِيقُ وَنَحْوُهَا) ، وَلاَ تُحَرَّقُ مَسَاكِنُهُمْ، وَلاَ يُقْطَعُ شَجَرُهُمْ (3) .
وَإِذَا تَحَيَّزَ الْبُغَاةُ إِلَى جِهَةٍ مُجْتَمَعِينَ، أَوْ إِلَى جَمَاعَةٍ وَلَمْ يُمْكِنْ دَفْعُ شَرِّهِمْ إِلاَّ بِالْقِتَال، حَل قِتَالُهُمْ حَتَّى يَتَفَرَّقَ جَمْعُهُمْ، وَلَوْ أَمْكَنَ دَفْعُ شَرِّهِمْ بِالْحَبْسِ بَعْدَمَا تَأَهَّبُوا فَعَل ذَلِكَ؛ إِذِ الْجِهَادُ مَعَهُمْ وَاجِبٌ بِقَدْرِ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ شَرُّهُمْ عَلَى مَا سَبَقَ. وَقَدْ قَاتَل عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَهْل حَرُورَاءَ بِالنَّهْرَوَانِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، تَصْدِيقًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَهُ أَنَا أُقَاتِل عَلَى
__________
(1) حاشية ابن عابدين 3 / 310، والمغني 8 / 108، 109.
(2) وللحنفية تفصيل، وهذا سيذكر بعد.
(3) التاج والإكليل 6 / 277، وحاشية الدسوقي 4 / 299، وحاشية الصاوي على الشرح الصغير 4 / 429.

الصفحة 140