كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 8)

تَنْزِيل الْقُرْآنِ، وَعَلِيٌّ يُقَاتِل عَلَى تَأْوِيلِهِ (1) وَالْقِتَال مَعَ التَّأْوِيل هُوَ الْقِتَال مَعَ الْبُغَاةِ، وَذَلِكَ كَقِتَال أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَانِعِي الزَّكَاةِ (2) .
وَإِذَا قَاتَلَهُمْ الإِْمَامُ فَهَزَمَهُمْ، وَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ، وَأُمِنَ جَانِبُهُمْ، أَوْ تَرَكُوا الْقِتَال بِإِلْقَاءِ السِّلاَحِ أَوْ بِالْهَزِيمَةِ أَوْ بِالْعَجْزِ، لِجِرَاحٍ أَوْ أَسِيرٍ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لأَِهْل الْعَدْل أَنْ يَتَّبِعُوهُمْ، وَلاَ يُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحِهِمْ، وَلاَ يَقْتُلُوا أَسِيرَهُمْ؛ لِوُقُوعِ الأَْمْنِ عَنْ شَرِّهِمْ، وَلاَ تُسْبَى لَهُمْ ذُرِّيَّةٌ، وَلاَ يُقْسَمُ لَهُ مَالٌ، لِقَوْل عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لاَ يُقْتَل بَعْدَ الْهَزِيمَةِ مُقْبِلٌ وَلاَ مُدْبِرٌ، وَلاَ يُفْتَحُ بَابٌ، وَلاَ يُسْتَحَل فَرْجٌ وَلاَ مَالٌ بَل قَال لَهُمْ: مَنِ اعْتَرَفَ شَيْئًا فَلْيَأْخُذْهُ، أَيْ مَنْ عَرَفَ مِنَ الْبُغَاةِ مَتَاعَهُ اسْتَرَدَّهُ، وَقَال يَوْمَ الْجَمَل: لاَ تَتَّبِعُوا مُدْبِرًا، وَلاَ تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ، وَلاَ تَقْتُلُوا أَسِيرًا، وَإِيَّاكُمْ وَالنِّسَاءَ (3) ؛ وَلأَِنَّ قِتَالَهُمْ لِلدَّفْعِ وَالرَّدِّ إِلَى الطَّاعَةِ
__________
(1) حديث: " أنا أقاتل على تنزيل القرآن وعلي يقاتل. . . " أخرجه الدارقطني في الأفراد، وقال: تفرد به جابر الجعفي وهو رافضي (كنز العمال 11 / 613 ـ ط الرسالة) .
(2) البدائع 7 / 140، والفتح 4 / 411، وحاشية ابن عابدين 3 / 311، وتبيين الحقائق 3 / 294، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي 4 / 299، والتاج والإكليل 6 / 278، والمهذب 2 / 219، المغني 8 / 108.
(3) الفتح 4 / 411، والبدائع 7 / 140 - 141، وحاشية الدسوقي 4 / 299ـ 300، التاج الإكليل 6 / 278، والمهذب 2 / 219، نهاية المحتاج 7 / 386، والمغني 8 / 114، 116 - 117، كشاف القناع 6 / 164.
دُونَ الْقَتْل (1) . وَيَقُول ابْنُ قُدَامَةَ: أَمَّا غَنِيمَةُ أَمْوَالِهِمْ وَسَبْيُ ذُرِّيَّتِهِمْ فَلاَ نَعْلَمُ فِي تَحْرِيمِهِ بَيْنَ أَهْل الْعِلْمِ خِلاَفًا؛ لأَِنَّهُمْ مَعْصُومُونَ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ مِنْ دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ مَا حَصَل مِنْ ضَرُورَةِ دَفْعِهِمْ وَقِتَالِهِمْ، وَمَا عَدَاهُ يَبْقَى عَلَى أَصْل التَّحْرِيمِ (2) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ بَعِيدَةٌ يَنْحَازُونَ إِلَيْهَا، وَلاَ يُتَوَقَّعُ فِي الْعَادَةِ مَجِيئُهَا إِلَيْهِمْ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ، وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ عَدَمُ وُصُولِهَا لَهُمْ، فَإِنَّهُ لاَ يُقَاتَل مُدْبِرُهُمْ، وَلاَ يُجْهَزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ؛ لأَِمْنِ غَائِلَتِهِ إِلاَّ إِذَا كَانَ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ لَهُمْ فِئَةٌ قَرِيبَةٌ تُسْعِفُهُمْ عَادَةً، وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ اتِّبَاعُهُمْ وَالإِْجْهَازُ عَلَى جَرِيحِهِمْ. أَوْ كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ بَعِيدَةٌ يُتَوَقَّعُ فِي الْعَادَةِ مَجِيئُهَا إِلَيْهِمْ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ، وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ ذَلِكَ فَالْمُتَّجَهُ أَنْ يُقَاتَل (3) .
وَقَرِيبٌ مِنْهُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إِذَا أُمِنَ جَانِبُهُمْ بِالظُّهُورِ عَلَيْهِمْ، لَمْ يُتْبَعْ مُنْهَزِمُهُمْ، وَلَمْ يُذَفَّفْ عَلَى جَرِيحِهِمْ (4) .
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَيَنُصُّونَ عَلَى أَنَّ أَهْل الْبَغْيِ إِذَا
__________
(1) المهذب 2 / 219، والمغني 8 / 115.
(2) المغني 8 / 115ـ 116.
(3) نهاية المحتاج 7 / 386.
(4) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 4 / 299 - 300، والتاج والإكليل 6 / 278

الصفحة 141