كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 8)

لاَ بِعَيْنِ النَّقْصِ، وَأَنْ يَرْتَبِطَ بِهَا ارْتِبَاطَ ثِقَةٍ وَإِذْعَانٍ، فِي عَادَاتِهَا وَعِبَادَاتِهَا وَمُعَامَلاَتِهَا، وَأَلاَّ يَخْرُجَ عَنْهَا أَلْبَتَّةَ. وَهَذَا الأَْمْرُ أَغْفَلَهُ الْمُبْتَدِعَةُ فَاسْتَدْرَكُوا عَلَى الشَّرْعِ، وَكَذَبُوا عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقِيل لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَقَالُوا: نَحْنُ لَمْ نَكْذِبْ عَلَى رَسُول اللَّهِ وَإِنَّمَا كَذَبْنَا لَهُ. وَحُكِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، الْمَعْرُوفِ بِالأُْرْدُنِّيِّ، أَنَّهُ قَال: إِذَا كَانَ الْكَلاَمُ حَسَنًا لَمْ أَرَ فِيهِ بَأْسًا، أَجْعَل لَهُ إِسْنَادًا إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(2) أَنْ يُوقِنَ إِيقَانًا جَازِمًا أَنَّهُ لاَ تَضَادَّ بَيْنَ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَبَيْنَ الأَْحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ بَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ، أَوْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ؛ لأَِنَّ النَّبْعَ وَاحِدٌ، وَمَا كَانَ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى، وَإِنَّ قَوْمًا اخْتَلَفَ عَلَيْهِمُ الأَْمْرُ لِجَهْلِهِمْ، هُمُ الَّذِينَ عَنَاهُمُ الرَّسُول بِقَوْلِهِ: يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ.
فَيَتَحَصَّل مِمَّا قَدَّمْنَا كَمَال الشَّرِيعَةِ وَعَدَمُ التَّضَادِّ بَيْنَ نُصُوصِهَا.
أَمَّا كَمَال الشَّرِيعَةِ فَقَدْ أَخْبَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِْسْلاَمَ دِينًا} (1) .
وَأَمَّا عَدَمُ التَّضَادِّ فِي اللَّفْظِ أَوِ الْمَعْنَى فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ أَنَّ الْمُتَدَبِّرَ لاَ يَجِدُ فِي الْقُرْآنِ اخْتِلاَفًا؛ لأَِنَّ
__________
(1) سورة المائدة / 3.
الاِخْتِلاَفَ مُنَافٍ لِلْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْحِكْمَةِ (1) {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} . (2)

ج - الْجَهْل بِالسُّنَّةِ:
17 - مِنَ الأُْمُورِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى الْبِدْعَةِ الْجَهْل بِالسُّنَّةِ.
وَالْجَهْل بِالسُّنَّةِ يَعْنِي أَمْرَيْنِ:
الأَْوَّل، جَهْل النَّاسِ بِأَصْل السُّنَّةِ.
وَالثَّانِي: جَهْلُهُمْ بِالصَّحِيحِ مِنْ غَيْرِهِ، فَيَخْتَلِطُ عَلَيْهِمُ الأَْمْرُ.
أَمَّا جَهْلُهُمْ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، فَيَجْعَلُهُمْ يَأْخُذُونَ بِالأَْحَادِيثِ الْمَكْذُوبَةِ عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ وَرَدَتِ الآْثَارُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ تَنْهَى عَنْ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُل أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} (3) وَقَوْل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ (4) .
__________
(1) الاعتصام 2 / 268، والفخر الرازي 10 / 196، 197.
(2) سورة النساء / 82.
(3) سورة الإسراء / 39.
(4) حديث: " من كذب على معتمدا. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 1 / 202 ط السلفية) من حديث أبي هريرة، ومسلم (4 / 2298، 2299 ط الحلبي) من حديث أبي سعيد الخدري.

الصفحة 29