كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 8)

فَاحْذَرُوهُمْ (1) وَقَدْ ذَكَرَهُمُ الْقُرْآنُ فِي قَوْله تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَل عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} (2) . فَلَيْسَ نَظَرُهُمْ فِي الدَّلِيل نَظَرَ الْمُسْتَبْصِرِ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَحْتَ حُكْمِهِ، بَل نَظَرُ مَنْ حَكَمَ بِالْهَوَى. ثُمَّ أَتَى بِالدَّلِيل كَالشَّاهِدِ لَهُ. (3)
و اتِّبَاعُ الْهَوَى:
20 - يُطْلَقُ الْهَوَى عَلَى مَيْل النَّفْسِ وَانْحِرَافِهَا نَحْوَ الشَّيْءِ، ثُمَّ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَيْل الْمَذْمُومِ وَالاِنْحِرَافِ السَّيِّئِ. (4)
وَنُسِبَتِ الْبِدَعُ إِلَى الأَْهْوَاءِ، وَسُمِّيَ أَصْحَابُهَا بِأَهْل الأَْهْوَاءِ؛ لأَِنَّهُمْ اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ فَلَمْ يَأْخُذُوا الأَْدِلَّةَ مَأْخَذَ الاِفْتِقَارِ إِلَيْهَا وَالتَّعْوِيل عَلَيْهَا، بَل قَدَّمُوا أَهْوَاءَهُمْ وَاعْتَمَدُوا عَلَى آرَائِهِمْ، ثُمَّ جَعَلُوا الأَْدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ مَنْظُورًا فِيهَا مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ.

21 - مَدَاخِل هَذِهِ الأَْهْوَاءِ (5) :
أ - اتِّبَاعُ الْعَادَاتِ وَالآْبَاءِ وَجَعْلُهَا دِينًا. قَال
__________
(1) حديث: " إذا رأيتم الذين يتبعون ماتشابه منه. . . " أخرجه البخاري (الفتح 8 / 209 ط السلفية) ومسلم (4 / 2053 ط الحلبي) واللفظ لمسلم.
(2) سورة آل عمران / 7.
(3) الاعتصام 1 / 175.
(4) المصباح في المادة.
(5) الاعتصام للشاطبي 2 / 293 - 313، واقتضاء الصراط المستقيم ص 14 - 35.
تَعَالَى فِي شَأْنِ هَؤُلاَءِ: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} (1)
فَقَال الْحَقُّ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ {قَال أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} (2)
ب - رَأْيُ بَعْضِ الْمُقَلِّدِينَ فِي أَئِمَّتِهِمْ وَالتَّعَصُّبُ لَهُمْ، فَقَدْ يُؤَدِّي هَذَا التَّغَالِي فِي التَّقْلِيدِ إِلَى إِنْكَارِ بَعْضِ النُّصُوصِ وَالأَْدِلَّةِ أَوْ تَأْوِيلِهَا، وَعَدِّ مَنْ يُخَالِفُهُمْ مُفَارِقًا لِلْجَمَاعَةِ.
ج - التَّصَوُّفُ الْفَاسِدُ وَأَخْذُ مَا نُقِل عَنِ الْمُتَصَوِّفَةِ مِنَ الأَْحْوَال الْجَارِيَةِ عَلَيْهِمْ، أَوِ الأَْقْوَال الصَّادِرَةِ عَنْهُمْ دِينًا وَشَرِيعَةً، وَإِنْ كَانَتْ مُخَالِفَةً لِلنُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
د - التَّحْسِينُ وَالتَّقْبِيحُ الْعَقْلِيَّانِ. فَإِنَّ مَحْصُول هَذَا الْمَذْهَبِ تَحْكِيمُ عُقُول الرِّجَال دُونَ الشَّرْعِ، وَهُوَ أَصْلٌ مِنَ الأُْصُول الَّتِي بَنَى عَلَيْهَا أَهْل الاِبْتِدَاعِ فِي الدِّينِ، بِحَيْثُ إِنَّ الشَّرْعَ إِنْ وَافَقَ آرَاءَهُمْ قَبِلُوهُ وَإِلاَّ رُدَّ.
هـ - الْعَمَل بِالأَْحْلاَمِ. فَإِنَّ الرُّؤْيَا قَدْ تَكُونُ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَقَدْ تَكُونُ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ، وَقَدْ تَكُونُ مِنْ أَخْلاَطٍ مُهْتَاجَةٍ. فَمَتَى تَتَعَيَّنُ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ النَّقِيَّةُ حَتَّى يُحْكَمَ بِهَا؟ ،.
__________
(1) سورة الزخرف / 22.
(2) سورة الزخرف / 24.

الصفحة 31