كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 8)

أَنْوَاعُ الْبِدْعَةِ:
تَنْقَسِمُ الْبِدْعَةُ مِنْ حَيْثُ قُرْبُهَا مِنَ الأَْدِلَّةِ أَوْ بُعْدُهَا عَنْهَا إِلَى حَقِيقِيَّةٍ وَإِضَافِيَّةٍ.

الْبِدْعَةُ الْحَقِيقِيَّةُ:
22 - هِيَ الَّتِي لَمْ يَدُل عَلَيْهَا دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، لاَ مِنْ كِتَابٍ وَلاَ سُنَّةٍ وَلاَ إِجْمَاعٍ وَلاَ اسْتِدْلاَلٍ مُعْتَبَرٍ عِنْدَ أَهْل الْعِلْمِ، لاَ فِي الْجُمْلَةِ وَلاَ فِي التَّفْصِيل، وَلِهَذَا سُمِّيَتْ بِدْعَةً حَقِيقِيَّةً؛ لأَِنَّهَا شَيْءٌ مُخْتَرَعٌ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُبْتَدِعُ يَأْبَى أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ الْخُرُوجُ عَنِ الشَّرْعِ؛ إِذْ هُوَ مُدَّعٍ أَنَّهُ دَاخِلٌ بِمَا اسْتَنْبَطَ تَحْتَ مُقْتَضَى الأَْدِلَّةِ، وَلَكِنْ ثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى غَيْرُ صَحِيحَةٍ، لاَ فِي نَفْسِ الأَْمْرِ وَلاَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، أَمَّا بِحَسَبِ نَفْسِ الأَْمْرِ فَبِالْعَرْضِ، وَأَمَّا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ فَإِنَّ أَدِلَّتَهُ شُبَهٌ وَلَيْسَتْ بِأَدِلَّةٍ، وَمِنْ أَمْثِلَتِهَا: (1) التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالرَّهْبَانِيَّةِ وَتَرْكِ الزَّوَاجِ مَعَ وُجُودِ الدَّاعِي إِلَيْهِ وَفَقْدِ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ، كَرَهْبَانِيَّةِ النَّصَارَى الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} (2) فَهَذِهِ كَانَتْ قَبْل الإِْسْلاَمِ، أَمَّا فِي الإِْسْلاَمِ فَقَدْ نُسِخَتْ فِي شَرِيعَتِنَا بِمِثْل قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي. (3)
__________
(1) الاعتصام / 1 / 232.
(2) سورة الحديد / 27.
(3) حديث: " فمن رغب. . . . " أخرجه البخاري (الفتح 9 / 104 ط السلفية) .
وَمِنْهَا: أَنْ يَفْعَل الْمُسْلِمُ مِثْل مَا يَفْعَل أَهْل الْهِنْدِ فِي تَعْذِيبِ النَّفْسِ بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ الشَّنِيعِ وَالْقَتْل بِالأَْصْنَافِ الَّتِي تَفْزَعُ مِنْهَا الْقُلُوبُ وَتَقْشَعِرُّ مِنْهَا الْجُلُودُ، مِثْل الإِْحْرَاقِ بِالنَّارِ عَلَى جِهَةِ اسْتِعْجَال الْمَوْتِ لِنَيْل الدَّرَجَاتِ الْعُلْيَا وَالْقُرْبَى مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي زَعْمِهِمْ.

الْبِدْعَةُ الإِْضَافِيَّةُ:
23 - وَهِيَ الَّتِي لَهَا شَائِبَتَانِ: إِحْدَاهُمَا لَهَا مِنَ الأَْدِلَّةِ مُتَعَلِّقٌ، فَلاَ تَكُونُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ بِدْعَةً، وَالثَّانِيَةُ لَيْسَ لَهَا مُتَعَلِّقٌ إِلاَّ مِثْل مَا لِلْبِدْعَةِ الْحَقِيقِيَّةِ. وَلَمَّا كَانَ الْعَمَل لَهُ شَائِبَتَانِ، وَلَمْ يَتَخَلَّصْ لأَِحَدٍ الطَّرَفَيْنِ، وُضِعَتْ لَهُ هَذِهِ التَّسْمِيَةُ؛ لأَِنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى إِحْدَى الْجِهَتَيْنِ سُنَّةٌ لاِسْتِنَادِهَا إِلَى دَلِيلٍ، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجِهَةِ الأُْخْرَى بِدْعَةٌ لاِسْتِنَادِهَا إِلَى شُبْهَةٍ لاَ إِلَى دَلِيلٍ، أَوْ لأَِنَّهَا غَيْرُ مُسْتَنِدَةٍ إِلَى شَيْءٍ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْبِدَعِ هُوَ مَثَارُ الْخِلاَفِ بَيْنَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي الْبِدَعِ وَالسُّنَنِ. وَلَهُ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا: صَلاَةُ الرَّغَائِبِ، وَهِيَ: اثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ الأُْولَى مِنْ رَجَبٍ بِكَيْفِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَقَدْ قَال الْعُلَمَاءُ: إِنَّهَا بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ مُنْكَرَةٌ. وَكَذَا صَلاَةُ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَهِيَ: مِائَةُ رَكْعَةٍ بِكَيْفِيَّةٍ خَاصَّةٍ. وَصَلاَةُ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ.
وَوَجْهُ كَوْنِهَا بِدْعَةً إِضَافِيَّةً: أَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ، بِاعْتِبَارِ النَّظَرِ إِلَى أَصْل الصَّلاَةِ، لِحَدِيثٍ رَوَاهُ

الصفحة 32