كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 8)

سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِل بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. (1)
الثَّالِثُ: أَلاَّ تُفْعَل فِي الأَْمَاكِنِ الْعَامَّةِ الَّتِي يَجْتَمِعُ فِيهَا النَّاسُ، أَوِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا السُّنَنُ، وَتَظْهَرُ فِيهَا أَعْلاَمُ الشَّرِيعَةِ، وَأَلاَّ يَكُونَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ أَوْ يَحْسُنُ بِهِ الظَّنُّ، فَإِنَّ الْعَوَامَّ يَقْتَدُونَ - بِغَيْرِ نَظَرٍ - بِالْمَوْثُوقِ بِهِمْ أَوْ بِمَنْ يُحْسِنُونَ الظَّنَّ بِهِ، فَتَعُمُّ الْبَلْوَى وَيَسْهُل عَلَى النَّاسِ ارْتِكَابُهَا. (2)

تَقْسِيمُ الْمُبْتَدِعِ إِلَى دَاعِيَةٍ لِبِدْعَتِهِ وَغَيْرِ دَاعِيَةٍ:
27 - الْمَنْسُوبُ إِلَى الْبِدْعَةِ فِي الْعُرْفِ لاَ يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا فِيهَا أَوْ مُقَلِّدًا، وَالْمُقَلِّدُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُقَلِّدًا مَعَ الإِْقْرَارِ بِالدَّلِيل الَّذِي زَعَمَهُ الْمُجْتَهِدُ الْمُبْتَدِعُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُقَلِّدًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ، كَالْعَامِّيِّ الصِّرْفِ الَّذِي حَسَّنَ الظَّنَّ بِصَاحِبِ الْبِدْعَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ دَلِيلٌ عَلَى التَّفْصِيل يَتَعَلَّقُ بِهِ، إِلاَّ تَحْسِينَ الظَّنِّ بِالْمُبْتَدِعِ خَاصَّةً. وَهَذَا الْقِسْمُ كَثِيرٌ فِي الْعَوَامِّ، فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُبْتَدِعَ آثِمٌ، فَلَيْسَ الإِْثْمُ الْوَاقِعُ عَلَيْهِ عَلَى رُتْبَةٍ وَاحِدَةٍ. بَل هُوَ عَلَى مَرَاتِبَ مُخْتَلِفَةٍ، مِنْ جِهَةِ كَوْنِ صَاحِبِ الْبِدْعَةِ دَاعِيًا إِلَيْهَا أَمْ لاَ؛ لأَِنَّ الزَّيْغَ فِي قَلْبِ الدَّاعِي أَمْكَنُ مِنْهُ فِي قَلْبِ الْمُقَلِّدِ؛ وَلأَِنَّهُ أَوَّل مَنْ
__________
(1) حديث: " من سن سنة سيئة. . " سبق تخريجه ف / 2.
(2) الاعتصام 2 / 57، وابن عابدين 2 / 140، والزواجر 1 / 4، وقواعد الأحكام لابن عبد السلام 1 / 22ط الاستقامة.
سَنَّ تِلْكَ السُّنَّةَ؛ وَلأَِنَّهُ يَتَحَمَّل وِزْرَ مَنْ تَبِعَهُ، مِصْدَاقًا لِحَدِيثِ: مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِل بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. كَمَا يَخْتَلِفُ الإِْثْمُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الإِْسْرَارِ وَالإِْعْلاَنِ؛ لأَِنَّ الْمُسِرَّ ضَرَرُهُ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ لاَ يَتَعَدَّاهُ، بِخِلاَفِ الْمُعْلِنِ.
كَمَا يَخْتَلِفُ كَذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الإِْصْرَارِ عَلَيْهَا أَوْ عَدَمِهِ، وَمِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا حَقِيقِيَّةً أَوْ إِضَافِيَّةً، وَمِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا كُفْرًا أَوْ غَيْرَ كُفْرٍ. (1)

رِوَايَةُ الْمُبْتَدِعِ لِلْحَدِيثِ:
28 - رَدَّ الْعُلَمَاءُ رِوَايَةَ مَنْ كَفَرَ بِبِدْعَتِهِ، وَلَمْ يَحْتَجُّوا بِهِ فِي صِحَّةِ الرِّوَايَةِ. وَلَكِنَّهُمْ شَرَطُوا لِلْكُفْرِ بِالْبِدْعَةِ، أَنْ يُنْكِرَ الْمُبْتَدِعُ أَمْرًا مُتَوَاتِرًا مِنَ الشَّرْعِ مَعْلُومًا مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ.
أَمَّا مَنْ لَمْ يَكْفُرْ بِبِدْعَتِهِ، فَلِلْعُلَمَاءِ فِي رِوَايَتِهِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ:
الأَْوَّل: لاَ يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ مُطْلَقًا، وَهُوَ رَأْيُ الإِْمَامِ مَالِكٍ؛ لأَِنَّ فِي الرِّوَايَةِ عَنِ الْمُبْتَدِعِ تَرْوِيجًا لأَِمْرِهِ وَتَنْوِيهًا بِذِكْرِهِ؛ وَلأَِنَّهُ أَصْبَحَ فَاسِقًا بِبِدْعَتِهِ.
الثَّانِي: يُحْتَجُّ بِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَسْتَحِل الْكَذِبَ فِي نُصْرَةِ مَذْهَبِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ دَاعِيَةً أَمْ لاَ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَالثَّوْرِيِّ.
__________
(1) الاعتصام 1 / 126، 129، 130، وابن عابدين 3 / 297، 5 / 446 والاعتصام 1 / 129، 130.

الصفحة 35