كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 8)

سَبِيل الاِسْتِثْنَاءِ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، بِسَبَبِ اخْتِلاَفِ طَبِيعَةِ حَيَاةِ الْبَدْوِ عَنْ طَبِيعَةِ حَيَاةِ الْحَضَرِ، فَتَبَعًا لِهَذَا الاِخْتِلاَفِ تَخْتَلِفُ بَعْضُ الأَْحْكَامِ، وَسَيَأْتِي أَهَمُّهَا.

أ - الأَْذَانُ فِي الْبَادِيَةِ:
3 - يُسَنُّ لِلْبَادِي الأَْذَانُ عِنْدَ كُل صَلاَةٍ فِي بَادِيَتِهِ، لِحَدِيثِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَِبِي سَعِيدٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ. فَإِذَا دَخَل وَقْتُ الصَّلاَةِ فَأَذِّنْ، وَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (1) (ر: أَذَان) .

ب - سُقُوطُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ:
4 - لاَ تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى أَهْل الْبَادِيَةِ. وَلَوْ أَقَامُوهَا فِي بَادِيَتِهِمْ لاَ تَصِحُّ جُمُعَةٌ لِعَدَمِ الاِسْتِيطَانِ، حَيْثُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا الْبَدْوُ مِمَّنْ كَانُوا حَوْل الْمَدِينَةِ وَلاَ قَبَائِل الْبَادِيَةِ مِمَّنْ أَسْلَمُوا، وَلاَ أَقَامُوهَا، وَلَوْ أَقَامُوهَا لَنُقِل ذَلِكَ، بَل لاَ تُجْزِئُهُمْ عَنِ الظُّهْرِ، وَلَكِنْ إِذَا كَانُوا مُقِيمِينَ بِمَوْضِعٍ يَسْمَعُونَ فِيهِ نِدَاءَ الْحَضَرِ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ. (2)
__________
(1) الجمل على شرح المناهج 1 / 298، والإنصاف 1 / 418، والمغني 2 / 327، 331، وابن عابدين 1 / 261، والمجموع 4 / 375، وأسنى المطالب 1 / 279: وحديث: " إنك رجل تحب الغنم والبادية ". أخرجه البخاري 2 / 87، 88ط السلفية
(2) ابن عابدين 1 / 253، 546، وجواهر الإكليل 1 / 92، وروضة الطالبين 2 / 38، والمغني 2 / 327
ج - وَقْتُ الأُْضْحِيَّةِ:
5 - يَرَى الْجُمْهُورُ أَنَّ وَقْتَ الأُْضْحِيَّةِ لِلْبَدْوِ كَوَقْتِهِ لِلْحَضَرِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ حَيْثُ قَالُوا: لَمَّا كَانَتْ لاَ تَجِبُ عَلَى الْبَدْوِ صَلاَةُ الْعِيدِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَذْبَحُوا أَضَاحِيَّهُمْ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ مِنْ يَوْمِ الْعِيدِ، فِي حِينِ لاَ يَجُوزُ لأَِهْل الْحَضَرِ أَنْ يَذْبَحُوا أَضَاحِيَّهُمْ إِلاَّ بَعْدَ صَلاَةِ الْعِيدِ؛ لأَِنَّ صَلاَةَ الْعِيدِ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ. (1)

د - عَدَمُ اسْتِحْقَاقِهِمُ الْعَطَاءَ:
6 - يَخْتَصُّ أَهْل الْحَاضِرَةِ بِالْعَطَاءِ، أَمَّا الْبَدْوُ فَلاَ يُفْرَضُ لَهُمْ فَرِيضَةٌ رَاتِبَةٌ تَجْرِي عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْتِ الْمَال، لاَ أَعْطِيَةَ الْمُقَاتِلَةِ، وَلاَ أَرْزَاقَ الذُّرِّيَّةِ، حَتَّى قَال أَبُو عُبَيْدٍ: فَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الأَْئِمَّةِ بَعْدَهُ أَنَّهُ فَعَل ذَلِكَ - أَيْ أَعْطَى الْبَدْوَ عَطَاءَ الْجُنْدِ وَأَرْزَاقَ الذُّرِّيَّةِ - إِلاَّ بِأَهْل الْحَاضِرَةِ، الَّذِينَ هُمْ أَهْل الْغَنَاءِ عَنِ الإِْسْلاَمِ. وَلِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ مَرْفُوعًا قَال: كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا. ثُمَّ قَال: اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيل اللَّهِ. قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ. اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا، وَلاَ تَغْدِرُوا، وَلاَ تُمَثِّلُوا،
__________
(1) فتح القدير 8 / 72 طبع بولاق، وحلية العلماء للقفال 3 / 320 طبعة أولى 1400هـ، والإفصاح 1 / 202 طبع المطبعة الحلبية، وآثار محمد بن الحسن ص 135، وآثار أبي يوسف ص 63

الصفحة 46