كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 8)

وَيُقَابِلُهُ: الْفُجُورُ وَالإِْثْمُ؛ لأَِنَّ الْفُجُورَ خُرُوجٌ عَنِ الدِّينِ، وَمَيْلٌ إِلَى الْفَسَادِ، وَانْبِعَاثٌ فِي الْمَعَاصِي، وَهُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِلشَّرِّ. (1)

الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
2 - تَظَاهَرَتْ نُصُوصُ الشَّرِيعَةِ عَلَى الأَْمْرِ بِالْبِرِّ وَالْحَضِّ عَلَيْهِ، فَهُوَ خُلُقٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرِ، حَاضٌّ عَلَى الْتِزَامِ الطَّاعَةِ وَاجْتِنَابِ الْمَعْصِيَةِ.
قَال اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَل الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَال عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيل وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} . (2)
جَاءَ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ (3) : أَنَّ الْبِرَّ هُنَا اسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرِ، وَقَال: تَقْدِيرُ الْكَلاَمِ: وَلَكِنَّ الْبِرَّ بِرُّ مَنْ آمَنَ. أَوِ التَّقْدِيرُ: وَلَكِنَّ ذَا الْبِرِّ مَنْ آمَنَ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَفُرِضَتِ الْفَرَائِضُ، وَصُرِفَتِ الْقِبْلَةُ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَحُدَّتِ الْحُدُودُ، أَنْزَل اللَّهُ هَذِهِ الآْيَةَ.
__________
(1) فتح الباري 10 / 508، الفتح الرباني 1 / 34، 35
(2) سورة البقرة / 177
(3) تفسير القرطبي 2 / 238
فَأَفَادَتْ أَنَّ الْبِرَّ لَيْسَ كُلُّهُ بِالصَّلاَةِ، وَلَكِنَّ الْبِرَّ بِالإِْيمَانِ بِاللَّهِ إِلَى آخِرِهَا مِنْ صِفَاتِ الْخَيْرِ الْجَامِعَةِ.
وَقَال تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (1) . قَال الْمَاوَرْدِيُّ: نَدَبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِلَى التَّعَاوُنِ بِالْبِرِّ، وَقَرَنَهُ بِالتَّقْوَى لَهُ؛ لأَِنَّ فِي التَّقْوَى رِضَى اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الْبِرِّ رِضَى النَّاسِ، وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ رِضَى اللَّهِ تَعَالَى وَرِضَى النَّاسِ فَقَدْ تَمَّتْ سَعَادَتُهُ وَعَمَّتْ نِعْمَتُهُ.
وَقَال ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادَ: وَالتَّعَاوُنُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى يَكُونُ بِوُجُوهٍ، فَوَاجِبٌ عَلَى الْعَالِمِ أَنْ يُعِينَ النَّاسَ بِعِلْمِهِ فَيُعَلِّمَهُمْ، وَيُعِينُهُمُ الْغَنِيُّ بِمَالِهِ، وَالشُّجَاعُ بِشَجَاعَتِهِ فِي سَبِيل اللَّهِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ مُتَظَاهِرِينَ كَالْيَدِ الْوَاحِدَةِ. (2)
وَفِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَال: سَأَلْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبِرِّ وَالإِْثْمِ، فَقَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالإِْثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ. (3)
قَال النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُسْلِمٍ: قَال الْعُلَمَاءُ: الْبِرُّ يَكُونُ بِمَعْنَى الصِّلَةِ، وَبِمَعْنَى اللُّطْفِ وَالْمَبَرَّةِ وَحُسْنِ الصُّحْبَةِ وَالْعِشْرَةِ،
__________
(1) سورة المائدة / 2
(2) تفسير القرطبي6 / 46
(3) حديث النواس بن سمعان قال: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . . " أخرجه مسلم (4 / 1980 ـ ط الحلبي)

الصفحة 60