كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 8)

وَبِمَعْنَى الطَّاعَةِ، وَهَذِهِ الأُْمُورُ هِيَ مَجَامِعُ حُسْنِ الْخُلُقِ. وَمَعْنَى حَاكَ فِي صَدْرِكَ: أَيْ تَحَرَّكَ فِيهِ وَتَرَدَّدَ، وَلَمْ يَنْشَرِحْ لَهُ الصَّدْرُ، وَحَصَل فِي الْقَلْبِ مِنْهُ الشَّكُّ وَخَوْفُ كَوْنِهِ ذَنْبًا (1) .
وَيَتَعَلَّقُ بِالْبِرِّ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا:

بِرُّ الْوَالِدَيْنِ:
3 - بِرُّ الْوَالِدَيْنِ بِمَعْنَى: طَاعَتِهِمَا وَصِلَتِهِمَا وَعَدَمِ عُقُوقِهِمَا، وَالإِْحْسَانِ إِلَيْهِمَا مَعَ إِرْضَائِهِمَا بِفِعْل مَا يُرِيدَانِهِ مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا. قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} . (2)
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَال: سَأَلْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَل أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَال: الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَال: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَال: الْجِهَادُ فِي سَبِيل اللَّهِ. (3) فَهَذِهِ النُّصُوصُ تَدُل عَلَى وُجُوبِ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَتَعْظِيمِ حَقِّهِمَا. وَلِلتَّفْصِيل فِي بَيَانِ حَقِّ الْوَالِدَيْنِ وَبِرِّهِمَا انْظُرْ مُصْطَلَحَ (بِرُّ الْوَالِدَيْنِ) .

بِرُّ الأَْرْحَامِ:
4 - بِرُّ الأَْرْحَامِ وَهُوَ بِمَعْنَى صِلَتِهِمْ وَالإِْحْسَانِ
__________
(1) النووي على مسلم 16 / 111
(2) سورة الإسراء / 23
(3) حديث عبد الله بن مسعود: " سألت رسول الله. . . " أخرجه البخاري (الفتح 2 / 9 ـ ط السلفية) ومسلم (1 / 90 ـ ط الحلبي)
إِلَيْهِمْ وَتَفَقُّدِ أَحْوَالِهِمْ وَالْقِيَامِ عَلَى حَاجَاتِهِمْ وَمُوَاسَاتِهِمْ. قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيل وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (1)
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَال: رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ، قَامَتِ الرَّحِمُ فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَال: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِل مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، قَال: فَذَلِكَ لَكِ. ثُمَّ قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَل عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَْرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} (2) .
فَهَذِهِ النُّصُوصُ تَدُل عَلَى أَنَّ صِلَةَ الأَْرْحَامِ وَبِرَّهَا وَاجِبٌ، وَقَطِيعَتَهَا مُحَرَّمَةٌ فِي الْجُمْلَةِ، إِلاَّ أَنَّهَا دَرَجَاتٌ بَعْضُهَا أَرْفَعُ مِنْ بَعْضٍ، وَأَدْنَاهَا تَرْكُ الْهَجْرِ، وَالصِّلَةُ بِالْكَلاَمِ وَالسَّلاَمِ.
وَتَخْتَلِفُ هَذِهِ الدَّرَجَاتُ بِاخْتِلاَفِ الْقُدْرَةِ
__________
(1) سورة النساء / 36
(2) سورة محمد / 22، 23

الصفحة 61