كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 8)

فَقَال: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَال: نَعَمْ. قَال فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ. (1)
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال: جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَتَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ فَقَال: ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا. (2)
وَفِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلاً هَاجَرَ إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْيَمَنِ. فَقَال: هَل لَكَ أَحَدٌ بِالْيَمَنِ؟ قَال: أَبَوَايَ. قَال: أَذِنَا لَكَ؟ قَال: لاَ. قَال: فَارْجِعْ فَاسْتَأْذِنْهُمَا فَإِنْ أَذِنَا لَكَ فَجَاهِدْ، وَإِلاَّ فَبِرَّهُمَا. (3)
هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنِ النَّفِيرُ عَامًّا. وَإِلاَّ أَصْبَحَ خُرُوجُهُ فَرْضَ عَيْنٍ؛ إِذْ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْجَمِيعِ الدَّفْعُ وَالْخُرُوجُ لِلْعَدُوِّ. (4) وَإِذَا كَانَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ فَرْضَ عَيْنٍ، فَإِنَّ خِلاَفَهُ
__________
(1) حديث: " ففيهما فجاهد. . . " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 403 ـ ط السلفية) .
(2) حديث: " أرجع إليهما فأضحكهما. . . " أخرجه أبو داود (3 / 38 ـ ط عزت عبيد دعاس) والحاكم (4 / 152 ـ ط دائرة المعارف العثمانية) ، وصححه، ووافقه الذهبي.
(3) حديث: " هل لك أحد باليمن. . . " أخرجه أبو داود (3 / 39 ـ ط عزت عبيد دعاس) والحاكم (2 / 103ـ 104 ـ ط دائرة المعارف العثمانية) وقال الذهبي: ودراج واه. يعني الذي في إسناده، وتقدم شاهد.
(4) فتح القدير على الهداية 5 / 149، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 10 / 240.
يَكُونُ حَرَامًا، مَا لَمْ يَكُنْ عَنْ أَمْرٍ بِشِرْكٍ أَوِ ارْتِكَابِ مَعْصِيَةٍ، حَيْثُ لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ. (1)

الْبِرُّ بِالْوَالِدَيْنِ مَعَ اخْتِلاَفِ الدِّينِ:
3 - الْبِرُّ بِالْوَالِدَيْنِ فَرْضُ عَيْنٍ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ، وَلاَ يَخْتَصُّ بِكَوْنِهِمَا مُسْلِمَيْنِ، بَل حَتَّى لَوْ كَانَا كَافِرَيْنِ يَجِبُ بِرُّهُمَا وَالإِْحْسَانُ إِلَيْهِمَا مَا لَمْ يَأْمُرَا ابْنَهُمَا بِشِرْكٍ أَوِ ارْتِكَابِ مَعْصِيَةٍ. قَال تَعَالَى: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} . (2)
فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُول لَهُمَا قَوْلاً لَيِّنًا لَطِيفًا دَالًّا عَلَى الرِّفْقِ بِهِمَا وَالْمَحَبَّةِ لَهُمَا، وَيَجْتَنِبَ غَلِيظَ الْقَوْل الْمُوجِبَ لِنُفْرَتِهِمَا، وَيُنَادِيَهُمَا بِأَحَبِّ الأَْلْفَاظِ إِلَيْهِمَا، وَلْيَقُل لَهُمَا مَا يَنْفَعُهُمَا فِي أَمْرِ دِينِهِمَا وَدُنْيَاهُمَا، وَلاَ يَتَبَرَّمُ بِهِمَا بِالضَّجَرِ وَالْمَلَل وَالتَّأَفُّفِ، وَلاَ يَنْهَرُهُمَا، وَلْيَقُل لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: قَدِمَتْ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَمُدَّتِهِمْ إِذْ عَاهَدُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِيهَا، فَاسْتَفْتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ
__________
(1) ابن عابدين 3 / 220، والشرح الصغير 4 / 739 ـ 741، والفروق للقرافي 1 / 145.
(2) سورة الممتحنة / 8.

الصفحة 65