كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 8)

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ لِلْجِهَادِ بِغَيْرِ إِذْنِهِمَا؛ لأَِنَّهُمَا مُتَّهَمَانِ فِي الدِّينِ، إِلاَّ بِقَرِينَةٍ تُفِيدُ الشَّفَقَةَ وَنَحْوَهَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ. وَقَال الثَّوْرِيُّ: لاَ يَغْزُو إِلاَّ بِإِذْنِهِمَا إِذَا كَانَ الْجِهَادُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ. أَمَّا إِذَا تَعَيَّنَ الْجِهَادُ لِحُضُورِ الصَّفِّ، أَوْ حَصْرِ الْعَدُوِّ، أَوِ اسْتِنْفَارِ الإِْمَامِ لَهُ بِإِعْلاَنِ النَّفِيرِ الْعَامِّ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الإِْذْنُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ بِغَيْرِ إِذْنِهِمَا؛ إِذْ أَصْبَحَ وَاجِبًا عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِهِ؛ لِصَيْرُورَتِهِ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى الْجَمِيعِ. (1)

التَّعَارُضُ بَيْنَ بِرِّ الأَْبِ وَبِرِّ الأُْمِّ:
4 - لَمَّا كَانَ حَقُّ الْوَالِدَيْنِ عَلَى الأَْوْلاَدِ عَظِيمًا، فَقَدْ نَزَل بِهِ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَوَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ الْمُطَهَّرَةُ، وَيَقْضِي ذَلِكَ بِلُزُومِ بِرِّهِمَا وَطَاعَتِهِمَا وَرِعَايَةِ شُئُونِهِمَا وَالاِمْتِثَال لأَِمْرِهِمَا، فِيمَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، عَلَى نَحْوِ مَا سَبَقَ بَيَانُهُ.
وَنَظَرًا لِقِيَامِ الأُْمِّ بِالْعِبْءِ الأَْكْبَرِ فِي تَرْبِيَةِ الْوَلَدِ اخْتَصَّهَا الشَّارِعُ بِمَزِيدٍ مِنَ الْبِرِّ، بَعْدَ أَنْ أَوْصَى بِبِرِّهِمَا، فَقَال تَعَالَى: {وَوَصَّيْنَا الإِْنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} . (2)
__________
(1) المهذب 2 / 230، وتحفة المحتاج بشرح المنهاج 9 / 232، ومطالب أولي النهى 2 / 513، والمغني 8 / 359 ط الرياض الحديثة، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 2 / 175، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 10 / 240.
(2) سورة لقمان / 14.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ: مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَال: أُمُّكَ قَال: ثُمَّ مَنْ؟ قَال: أُمُّكَ قَال: ثُمَّ مَنْ؟ قَال: أُمُّكَ قَال: ثُمَّ مَنْ؟ قَال: أَبُوكَ. (1)
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِالأَْقْرَبِ فَالأَْقْرَبِ. (2)
وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْظَمُ حَقًّا عَلَى الْمَرْأَةِ؟ قَال: زَوْجُهَا. قُلْتُ: فَعَلَى الرَّجُل؟ قَال أُمُّهُ. (3)
فَفِيمَا ذُكِرَ - وَغَيْرُهُ كَثِيرٌ - مِمَّا سَبَقَ بَيَانُهُ دَلِيلٌ عَلَى مَنْزِلَةِ الأَْبَوَيْنِ، وَتَقْدِيمِ الأُْمِّ فِي الْبِرِّ عَلَى الأَْبِ فِي ذَلِكَ؛ لِصُعُوبَةِ الْحَمْل، ثُمَّ الْوَضْعِ وَآلاَمِهِ، ثُمَّ الرَّضَاعِ وَمَتَاعِبِهِ، وَهَذِهِ أُمُورٌ تَنْفَرِدُ بِهَا الأُْمُّ وَتَشْقَى بِهَا، ثُمَّ تُشَارِكُ الأَْبَ فِي التَّرْبِيَةِ،
__________
(1) حديث: " من أحق بحسن صحابتي. . . " أخرجه البخاري (الفتح 10 / 401ـ ط السلفية) .
(2) حديث: " إن الله يوصيكم بأمهاتكم. . . " أخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص 26 ـ ط السلفية) والحاكم (4 / 251 ـ ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه ووافقه الذهبي.
(3) حديث عائشة: " أي الناس أعظم حقا على المرأة؟ . . . " أخرجه الحاكم (4 / 150 ـ ط دائرة المعارف العثمانية) وفي إسناده جهالة، ميزان الاعتدال الذهبي (4 / 549 ـ ط الحلبي) .

الصفحة 67