كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 9)

بِصِيغَةِ الْبَيْعِ. فَضْلاً عَمَّا سَبَقَتِ الإِْشَارَةُ إِلَيْهِ مِنْ شُرُوطِ الصِّيغَةِ فِي الْعُقُودِ عَامَّةً.
21 - لاَ خِلاَفَ فِيمَا إِذَا كَانَ الإِْيجَابُ وَالْقَبُول بِصِيغَةِ الْمَاضِي مِثْل: بِعْتُ، أَوِ اشْتَرَيْتُ. أَوِ الْمُضَارِعِ الْمُرَادِ بِهِ الْحَال بِقَرِينَةٍ لَفْظِيَّةٍ مِثْل: أَبِيعُكَ الآْنَ أَوْ قَرِينَةٍ حَالِيَّةٍ. كَمَا إِذَا جَرَى الْعُرْفُ عَلَى اسْتِعْمَال الْمُضَارِعِ بِمَعْنَى الْحَال.
وَلاَ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ إِذَا كَانَ الإِْيجَابُ أَوِ الْقَبُول بِصِيغَةِ الاِسْتِفْهَامِ، مِثْل: أَتْبِيعُنِي؟ أَوِ الْمُضَارِعِ الْمُرَادِ بِهِ الاِسْتِقْبَال، مِثْل: سَأَبِيعُكَ، أَوْ أَبِيعُكَ غَدًا.
أَمَّا الأَْمْرُ مِثْل: بِعْنِي، فَإِذَا أَجَابَهُ الآْخَرُ بِقَوْلِهِ: بِعْتُكَ. كَانَ هَذَا اللَّفْظُ الثَّانِي إِيجَابًا، وَاحْتَاجَ إِلَى قَبُولٍ مِنَ الأَْوَّل (الآْمِرِ بِالْبَيْعِ) .
وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَمُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (1) .
أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِقَوْل الْمُشْتَرِي: بِعْنِي، وَبِقَوْل الْبَائِعِ: بِعْتُكَ، لِلدَّلاَلَةِ عَلَى الرِّضَا، وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى قَبُولٍ مِنَ الأَْوَّل (2) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ قَال الْمُشْتَرِي بِلَفْظِ الْمَاضِي أَوِ الْمُضَارِعِ: بِعْتَنِي، أَوْ تَبِيعُنِي، فَقَال الْبَائِعُ: بِعْتُكَ، لَمْ يَنْعَقِدِ الْبَيْعُ حَتَّى يَقْبَل بَعْدَ ذَلِكَ (3) .
__________
(1) شرح المجلة للأتاسي 2 / 32، والاختيار 2 / 4، ومغني المحتاج 2 / 5، والمغني 3 / 561.
(2) منح الجليل 2 / 462، ومغني المحتاج 2 / 5، وشرح منتهى الإرادات 2 / 140، والمغني 3 / 561.
(3) مغني المحتاج 2 / 5.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِصِحَّةِ الإِْيجَابِ بِلَفْظِ الأَْمْرِ أَوِ الْمُضَارِعِ، إِذَا كَانَ فِي الْعِبَارَةِ إِيجَابٌ أَوْ قَبُولٌ ضِمْنِيٌّ، مِثْل: خُذْ هَذِهِ السِّلْعَةَ بِكَذَا، فَقَال: أَخَذْتُهَا؛ لأَِنَّ (خُذْ) تَتَضَمَّنُ بِعْتُكَ فَخُذْ، وَكَذَلِكَ قَوْل الْبَائِعِ بَعْدَ إِيجَابِ الْمُشْتَرِي: يُبَارِكُ اللَّهُ لَكَ فِي السِّلْعَةِ، لأَِنَّهُ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى قَبِلْتُ الْبَيْعَ. وَمِثْل ذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَنَحْوُ هَذَا لِلشَّافِعِيَّةِ فِي مِثْل: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي بِكَذَا، لأَِنَّهُ تَضَمَّنَ: بِعْنِيهِ وَأَعْتِقْهُ عَنِّي (1)
22 - وَتَدُل عِبَارَاتُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالدَّلاَلَةِ عَلَى الْمَقْصُودِ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ بِوَضْعِ اللُّغَةِ أَمْ بِجَرَيَانِ الْعُرْفِ، قَال الدُّسُوقِيُّ: يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِمَا يَدُل عَلَى الرِّضَا عُرْفًا، سَوَاءٌ دَل لُغَةً أَوْ لاَ، مِنْ قَوْلٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ إِشَارَةٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا.
وَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ: الصِّيغَةُ الْقَوْلِيَّةُ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِي لَفْظٍ بِعَيْنِهِ كَبِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ، بَل هِيَ كُل مَا أَدَّى مَعْنَى الْبَيْعِ؛ لأَِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَخُصَّهُ بِصِيغَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَيَتَنَاوَل كُل مَا أَدَّى مَعْنَاهُ (2) .

23 - وَيَحْصُل التَّوَافُقُ بَيْنَ الإِْيجَابِ وَالْقَبُول بِأَنْ يَقْبَل الْمُشْتَرِي كُل الْمَبِيعِ بِكُل الثَّمَنِ. فَلاَ تَوَافُقَ إِنْ قَبِل بَعْضَ الْعَيْنِ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا الإِْيجَابُ أَوْ قَبِل عَيْنًا غَيْرَهَا، وَكَذَلِكَ لاَ تَوَافُقَ إِنْ قَبِل بِبَعْضِ الثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الإِْيجَابُ أَوْ بِغَيْرِهِ، إِلاَّ إِنْ كَانَ الْقَبُول إِلَى خَيْرٍ مِمَّا فِي الإِْيجَابِ، كَمَا
__________
(1) شرح المجلة 2 / 34، والدسوقي 3 / 3، وقليوبي 2 / 153، وشرح منتهى الإرادات 2 / 140.
(2) الدسوقي 3 / 3، وكشاف القناع 3 / 146.

الصفحة 12