كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 9)

وَالْفَسَادِ كَمَا يَقُول الْحَنَفِيَّةُ.
وَدَلِيل الْجَوَازِ مَأْخُوذٌ مِنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ: نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا (1) . قَال ابْنُ قُدَامَةَ: فَمَفْهُومُهُ إِبَاحَةُ بَيْعِهَا بَعْدَ بُدُوِّ صَلاَحِهَا، وَهَذَا عِنْدَ مَنْ يَقُول بِالْمَفْهُومِ. كَمَا أَنَّ الأَْصْل جَوَازُ كُل بَيْعٍ اسْتَكْمَل شُرُوطَهُ (2) .
وَيَجُوزُ كَذَلِكَ بَيْعُ الثِّمَارِ بَعْدَ ظُهُورِهَا، وَقَبْل بُدُوِّ الصَّلاَحِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِي الْحَال، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ، إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ زَادُوا عَلَى ذَلِكَ شَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَحْتَاجَ الْمُتَبَايِعَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا لِلْبَيْعِ. وَالثَّانِي: أَنْ لاَ يَتَمَالأََ أَكْثَرُ أَهْل الْبَلَدِ عَلَى الدُّخُول فِي هَذَا الْبَيْعِ (3) .
فَإِنْ بِيعَ الثَّمَرُ قَبْل بُدُوِّ الصَّلاَحِ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ أَوْ عَلَى الإِْطْلاَقِ دُونَ بَيَانِ جَذٍّ وَلاَ تَبْقِيَةٍ فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) الْبَيْعُ بَاطِلٌ.
وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِنْ شَرَطَ التَّرْكَ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ قَطْعًا وَلاَ تَبْقِيَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ أَهْل الْمَذْهَبِ، إِذَا كَانَ يُنْتَفَعُ بِهِ. وَعَلَى الصَّحِيحِ إِنْ كَانَ لاَ يُنْتَفَعُ بِهِ، لأَِنَّهُ مَالٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ فِي ثَانِي الْحَال، إِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْتَفِعًا بِهِ فِي الْحَال،
__________
(1) حديث: " النهي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها. . . " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 397 ط السلفية) .
(2) ابن عابدين 4 / 38، والدسوقي 3 / 176، ونهاية المحتاج 4 / 142، والمغني 4 / 92.
(3) المراجع السابقة.
فَإِنْ شَرَطَ التَّرْكَ فَسَدَ الْبَيْعُ (1) .
فَإِنْ بَاعَ الثَّمَرَةَ مَعَ الأَْصْل جَازَ بِالاِتِّفَاقِ، لأَِنَّهَا تَكُونُ تَبَعًا لأَِصْلٍ (2) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (ثِمَارٌ) .

رَابِعًا: حُضُورُ الْمَبِيعِ وَغِيَابُهُ
أ - حُضُورُ الْمَبِيعِ:
43 - مِنَ الْمُقَرَّرِ أَنَّ الإِْشَارَةَ إِلَى الْمَبِيعِ هِيَ أَقْوَى طُرُقِ التَّعْرِيفِ وَالتَّعْيِينِ، وَلِذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي حَضْرَةِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (مَجْلِسِ الْعَقْدِ) وَتَمَّ تَعْيِينُهُ بِالإِْشَارَةِ بِحَيْثُ عَرَفَهُ الْمُشْتَرِي وَرَآهُ، فَإِنَّ الْبَيْعَ لاَزِمٌ إِذَا خَلاَ مِنْ سَبَبٍ خَاصٍّ (لاَ يَتَّصِل بِرُؤْيَةِ الْمَبِيعِ) مِنَ الأَْسْبَابِ الَّتِي يَنْشَأُ بِهَا الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي.
حَتَّى لَوِ اقْتَرَنَتِ الإِْشَارَةُ بِالْوَصْفِ، وَكَانَ الْوَصْفُ مُغَايِرًا لِمَا رَآهُ الْمُشْتَرِي وَرَضِيَ بِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بَعْدَئِذٍ بِالْوَصْفِ، مَا دَامَ الْعَقْدُ قَدْ تَمَّ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ وَالرِّضَا. وَيُعَبَّرُ عَنْ ذَلِكَ بِالْقَاعِدَةِ الْفِقْهِيَّةِ التَّالِيَةِ (الْوَصْفُ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ، وَفِي الْغَائِبِ مُعْتَبَرٌ) . وَهَذَا بِخِلاَفِ التَّغَايُرِ بَيْنَ اسْمِ الْمَبِيعِ وَالإِْشَارَةِ إِلَيْهِ، كَقَوْلِهِ: بِعْتُكَ هَذِهِ الْفَرَسَ، وَأَشَارَ إِلَى نَاقَةٍ مَثَلاً، فَالتَّسْمِيَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ؛ لأَِنَّ الاِسْمَ يُحَدَّدُ بِهِ جِنْسُ الْمَبِيعِ، فَهَذَا غَلَطٌ فِي الْجِنْسِ لاَ فِي الْوَصْفِ، وَالْغَلَطُ فِي الْجِنْسِ غَيْرُ مُغْتَفَرٍ، لأَِنَّهُ يَكُونُ بِهِ الْمَبِيعُ مَعْدُومًا.
__________
(1) الهداية 3 / 25، وجواهر الإكليل 2 / 60، ونهاية المحتاج 4 / 144، والمغني 4 / 93.
(2) المجلة مادة (65) ، والفواكه الدواني 2 / 121، والفروق 3 / 247، وتهذيب الفروق 3 / 249.

الصفحة 22