كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 9)

وَقَدْ صَرَّحَ الْقَرَافِيُّ: بِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَذْكُرِ الْجِنْسَ فِي الْبَيْعِ، بِأَنْ قَال: بِعْتُكَ ثَوْبًا امْتَنَعَ إِجْمَاعًا (1) .
وَهَذَا إِذَا كَانَ الْوَصْفُ مِمَّا يُدْرِكُهُ الْمُشْتَرِي، أَمَّا لَوْ كَانَ مِمَّا يَخْفَى عَلَيْهِ، أَوْ يَحْتَاجُ إِلَى اخْتِبَارٍ، كَالْوَصْفِ لِلْبَقَرَةِ بِأَنَّهَا حَلُوبٌ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لِلْمُشْتَرِي أَنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ، فَإِنَّ فَوَاتَ الْوَصْفِ هُنَا مُؤَثِّرٌ، إِنْ كَانَ قَدِ اشْتُرِطَ فِي الْعَقْدِ، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ حَاضِرًا مُشَارًا إِلَيْهِ. لأَِنَّ الْوَصْفَ هُنَا مُعْتَبَرٌ مِنَ الْبَائِعِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى فَوَاتِهِ خِيَارٌ لِلْمُشْتَرِي يُسَمَّى: خِيَارَ فَوَاتِ الْوَصْفِ (2) .
وَيَسْتَوِي فِي اسْتِحْقَاقِ الْخِيَارِ بِفَوَاتِ الْوَصْفِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا. وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي (خِيَارِ الْوَصْفِ) .

ب - غِيَابُ الْمَبِيعِ:
44 - إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ غَائِبًا، فَإِمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ بِالْوَصْفِ الْكَاشِفِ لَهُ، عَلَى النَّحْوِ الْمُبَيَّنِ فِي عَقْدِ السَّلَمِ، وَإِمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ دُونَ وَصْفٍ، بَل يُحَدَّدُ بِالإِْشَارَةِ إِلَى مَكَانِهِ أَوْ إِضَافَتِهِ إِلَى مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ.
فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ بِالْوَصْفِ، وَهُوَ هُنَا غَيْرُ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ السَّابِقِ، فَإِذَا تَبَيَّنَتِ الْمُطَابَقَةُ بَيْنَ الْمَبِيعِ بَعْدَ مُشَاهَدَتِهِ وَبَيْنَ الْوَصْفِ لَزِمَ
__________
(1) المجلة مادة (208) ، ومنح الجليل 2 / 678 - 679، وجواهر الإكليل 2 / 49، وشرح منتهى الإرادات 2 / 146، وكشاف القناع 3 / 271، وخبايا الزوايا ص 210، ونهاية المحتاج 3 / 396 و 401، والمهذب 1 / 294.
(2) فتح القدير 5 / 136 ط بولاق.
الْبَيْعُ، وَإِلاَّ كَانَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الْخُلْفِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَإِنَّهُمْ يُثْبِتُونَ لِلْمُشْتَرِي هُنَا خِيَارَ الرُّؤْيَةِ، بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ سَبْقِ وَصْفِهِ أَوْ عَدَمِهِ، وَتَفْصِيلُهُ فِي (خِيَارُ الْوَصْفِ، وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ) .
لَكِنْ إِنْ تَمَّ الشِّرَاءُ عَلَى أَسَاسِ النَّمُوذَجِ، وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْمَبِيعُ عَنْهُ، فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ رُؤْيَةٍ (1) .
وَبَيْعُ الْغَائِبِ مَعَ الْوَصْفِ صَحِيحٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فِي الْجُمْلَةِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ مُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) فَقَدْ أَجَازَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَلَوْ لَمْ يَسْبِقْ وَصْفُهُ. وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ لاَ بُدَّ مِنَ الْوَصْفِ لأَِنَّ لِلْمُشْتَرِي هُنَا خِيَارَ الرُّؤْيَةِ عَلَى كُل حَالٍ، سَوَاءٌ مَعَ الْوَصْفِ وَالْمُطَابَقَةِ، أَوِ الْمُخَالَفَةِ، وَمَعَ عَدَمِ الْوَصْفِ. وَهُوَ خِيَارٌ حُكْمِيٌّ لاَ يَحْتَاجُ إِلَى اشْتِرَاطٍ (2) . وَأَجَازَهُ الْحَنَابِلَةُ مَعَ الْوَصْفِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ لِصِحَّةِ السَّلَمِ، وَقَصَرُوا الْخِيَارَ عَلَى حَال عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ (3) .
وَأَجَازَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِثَلاَثَةِ شُرُوطٍ:
أ - أَلاَّ يَكُونَ قَرِيبًا جِدًّا بِحَيْثُ تُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ؛ لأَِنَّ بَيْعَهُ غَائِبًا فِي هَذِهِ الْحَال عُدُولٌ عَنِ الْيَقِينِ إِلَى تَوَقُّعِ الضَّرَرِ فَلاَ يَجُوزُ.
ب - أَلاَّ يَكُونَ بَعِيدًا جِدًّا، لِتَوَقُّعِ تَغَيُّرِهِ قَبْل التَّسْلِيمِ، أَوْ لاِحْتِمَال تَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ.
ج - أَنْ يَصِفَهُ الْبَائِعُ بِصِفَاتِهِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ
__________
(1) المجلة مادة (323 - 335) .
(2) المراجع السابقة للحنفية.
(3) المغني 3 / 580 - 583، وشرح منتهى الإرادات 2 / 146.

الصفحة 23