كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 9)

وَهَذَا النَّوْعُ يَفْسُدُ أَيْضًا سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَشْرُوطُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ بَيْعًا أَوْ غَيْرَهُ، كَسَلَفٍ أَوْ إِجَارَةٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعُقُودِ، قِيَاسًا عَلَى اشْتِرَاطِ الْبَيْعِ، وَلِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الرِّوَايَةِ الأُْخْرَى نَهَى عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ فَإِنَّ الصَّفْقَةَ بِمَعْنَى الْعَقْدِ، فَتَشْمَل كُل عَقْدَيْنِ جُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. وَوَرَدَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ نَهْيٌ خَاصٌّ، هُوَ قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَحِل سَلَفٌ وَبَيْعٌ. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَلاَ أَعْلَمُ فِيهِ خِلاَفًا، إِلاَّ أَنَّ مَالِكًا قَال: إِنْ تَرَكَ مُشْتَرِطُ السَّلَفِ شَرْطَهُ صَحَّ الْبَيْعُ.
وَعَلَّل ابْنُ قُدَامَةَ لِفَسَادِ الْبَيْعِ بِالإِْضَافَةِ إِلَى كَوْنِهِ مِنَ الصَّفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ، بِأَنَّهُ إِذَا اشْتَرَطَ الْقَرْضَ مَثَلاً زَادَ فِي الثَّمَنِ لأَِجَلِهِ، فَتَصِيرُ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ عِوَضًا عَنِ الْقَرْضِ وَرِبْحًا لَهُ، وَذَلِكَ رِبًا مُحَرَّمٌ، فَفَسَدَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ. (1)
وَلَوْ كَانَ الْعَقْدَانِ لَيْسَ فِيهِمَا بَيْعٌ فَسَدَا كَذَلِكَ، كَمَا لَوْ شَرَطَ فِي الإِْجَارَةِ سَلَفًا أَوْ نِكَاحًا، أَوْ شَرَطَ فِي النِّكَاحِ نِكَاحًا، وَهُوَ الشِّغَارُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْسِيرِهِ (ر: شِغَار) .
وَمِنْ جُمْلَةِ مَا يَدْخُل فِي هَذَا النَّوْعِ أَيْضًا: أَنْ يَبِيعَ سِلْعَةً بِدَنَانِيرَ ذَهَبِيَّةٍ، وَيَشْتَرِطَ أَنْ يُسَلِّمَهُ الثَّمَنَ دَرَاهِمَ بِسِعْرِ صَرْفٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ فِي عَقْدِ
__________
(1) المغني 4 / 235.
الْبَيْعِ نَفْسِهِ. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَهَذَا بَاطِلٌ لأَِنَّهُ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ أَنْ يُصَارِفَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ الْعَقْدُ بِهِ، وَالْمُصَارَفَةُ عَقْدٌ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، ثُمَّ قَال: وَقَال مَالِكٌ: لاَ أَلْتَفِتُ إِلَى اللَّفْظِ الْفَاسِدِ إِذَا كَانَ مَعْلُومًا حَلاَلاً، فَكَأَنَّهُ بَاعَ السِّلْعَةَ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي يَأْخُذُهَا بَدَل الدَّنَانِيرِ.
12 - وَيَنْبَغِي التَّفْرِيقُ بَيْنَ هَذِهِ الْحَالَةِ الْمُبَيَّنَةِ أَعْلاَهُ، وَبَيْنَ أَنْ يَبِيعَ سِلْعَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ، كَمَا لَوْ بَاعَ دَابَّةً وَدَارًا بِأَلْفِ دِينَارٍ، فَإِنَّ هَذَا جَائِزٌ اتِّفَاقًا وَلَيْسَ مِنَ الْبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ.
وَكَذَا لَوْ بَاعَ الدَّارَ بِدَابَّةٍ وَأَلْفِ دِينَارٍ.
13 - وَمِثْلُهُ مَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ، أَوْ بَيْعٍ وَصَرْفٍ، أَوْ إِجَارَةٍ وَنِكَاحٍ بِعِوَضٍ وَاحِدٍ، كَمَا لَوْ قَال بِعْتُكَ دَارِي هَذِهِ وَآجَرْتُكَ دَارِي الأُْخْرَى سَنَةً بِأَلْفِ دِينَارٍ، فَهَذَا جَائِزٌ لأَِنَّهُمَا عَيْنَانِ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْ كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدَةً، فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُمَا مُجْتَمَعَتَيْنِ، كَمَا لَوْ قَال: بِعْتُكَ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ بِأَلْفٍ. وَهَذَا قَوْل الْحَنَابِلَةِ الأَْصَحُّ عِنْدَهُمْ، وَالأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَيُوَزَّعُ الْعِوَضُ عِنْدَ التَّرَادِّ فِي أَحَدِهِمَا حَسَبَ قِيمَتِهِمَا (أَيْ قِيمَةِ الْمُؤَجَّرِ مَثَلاً مِنْ حَيْثُ الأُْجْرَةُ لِلْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ، وَقِيمَةِ رَقَبَةِ الْمَبِيعِ)
وَالْقَوْل الآْخَرُ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ: لاَ يَصِحُّ؛ لأَِنَّ حُكْمَهُمَا مُخْتَلِفٌ، فَإِنَّ الْمَبِيعَ يُضْمَنُ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ. وَالإِْجَارَةُ بِخِلاَفِهِ، وَقَدْ

الصفحة 272