كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 9)
بَيْعَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - لِلْبَيْعَةِ فِي اللُّغَةِ مَعَانٍ، فَتُطْلَقُ عَلَى: الْمُبَايَعَةِ عَلَى الطَّاعَةِ. وَتُطْلَقُ عَلَى: الصَّفْقَةِ مِنْ صَفَقَاتِ الْبَيْعِ، وَيُقَال: بَايَعْتُهُ، وَهِيَ مِنَ الْبَيْعِ وَالْبَيْعَةِ جَمِيعًا وَالتَّبَايُعُ مِثْلُهُ. قَال اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} (1) وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال لِمُجَاشِعٍ حِينَمَا سَأَلَهُ: عَلاَمَ تُبَايِعُنَا؟ قَال: عَلَى الإِْسْلاَمِ وَالْجِهَادِ. (2) وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْمُعَاقَدَةِ وَالْمُعَاهَدَةِ. كَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بَاعَ مَا عِنْدَهُ لِصَاحِبِهِ، وَأَعْطَاهُ خَالِصَةَ نَفْسِهِ وَطَاعَتَهُ وَدَخِيلَةَ أَمْرِهِ. وَمِثْلُهُ: أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ. وَهِيَ: الَّتِي رَتَّبَهَا الْحَجَّاجُ مُشْتَمِلَةً عَلَى أُمُورٍ مُغَلَّظَةٍ مِنْ طَلاَقٍ وَعِتْقٍ وَصَوْمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. (3)
وَالْبَيْعَةُ اصْطِلاَحًا، كَمَا عَرَّفَهَا ابْنُ خَلْدُونٍ فِي
__________
(1) سورة الفتح / 10.
(2) حديث: " مجاشع رضي الله عنه. . . " أخرجه البخاري (6 / 117 الفتح ط السلفية) ، ومسلم (3 / 1487 ط الحلبي) واللفظ للبخاري.
(3) لسان العرب، والمصباح المنير، والصحاح.
مُقَدِّمَتِهِ: الْعَهْدُ عَلَى الطَّاعَةِ، كَأَنَّ الْمُبَايِعَ يُعَاهِدُ أَمِيرَهُ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ النَّظَرَ فِي أَمْرِ نَفْسِهِ وَأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، لاَ يُنَازِعُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَيُطِيعَهُ فِيمَا يُكَلِّفُهُ بِهِ مِنَ الأَْمْرِ عَلَى الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَكَانُوا إِذَا بَايَعُوا الأَْمِيرَ وَعَقَدُوا عَهْدَهُ جَعَلُوا أَيْدِيَهُمْ فِي يَدِهِ تَأْكِيدًا لِلْعَهْدِ، فَأَشْبَهَ ذَلِكَ فِعْل الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَصَارَتِ الْبَيْعَةُ تَقْتَرِنُ بِالْمُصَافَحَةِ بِالأَْيْدِي.
هَذَا مَدْلُولُهَا فِي اللُّغَةِ وَمَعْهُودُ الشَّرْعِ، وَهُوَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ فِي بَيْعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، وَعِنْدَ الشَّجَرَةِ، وَحَيْثُمَا وَرَدَ هَذَا اللَّفْظُ. وَمِنْهُ: بَيْعَةُ الْخُلَفَاءِ، وَمِنْهُ أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ. فَقَدْ كَانَ الْخُلَفَاءُ يَسْتَحْلِفُونَ عَلَى الْعَهْدِ وَيَسْتَوْعِبُونَ الأَْيْمَانَ كُلَّهَا لِذَلِكَ. فَسُمِّيَ هَذَا الاِسْتِيعَابُ أَيْمَانَ الْبَيْعَةِ. (1)
2 - هَذَا وَقَدِ اسْتَفَاضَ عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُبَايِعُونَهُ تَارَةً عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ، وَتَارَةً عَلَى إِقَامَةِ أَرْكَانِ الإِْسْلاَمِ، وَتَارَةً عَلَى الثَّبَاتِ وَالْقَرَارِ فِي مَعْرَكَةِ الْكُفَّارِ، وَتَارَةً عَلَى التَّمَسُّكِ بِالسُّنَّةِ وَاجْتِنَابِ الْبِدْعَةِ وَالْحِرْصِ عَلَى الطَّاعَاتِ. (2)
هَذَا، وَالْكَلاَمُ عَنِ الْبَيْعَةِ بِمَعْنَى (الْمَرَّةِ مِنَ الْبَيْعِ) مَوْطِنُهُ مُصْطَلَحُ: (بَيْع) .
__________
(1) مقدمة ابن خلدون ص 209 ط دار إحياء التراث العربي.
(2) القواعد الفقهية للمجددي البركتي 612 ط دكا.
الصفحة 274