كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 9)

وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أُجْرَةَ كَيْل الثَّمَنِ أَوْ وَزْنِهِ أَوْ عَدِّهِ، وَكَذَلِكَ مَئُونَةُ إِحْضَارِ الثَّمَنِ الْغَائِبِ تَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي، إِلاَّ فِي الإِْقَالَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالشَّرِكَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.
وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي أُجْرَةِ نَقَّادِ الثَّمَنِ (1)
فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ رِوَايَتَانِ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ.
فَفِي رِوَايَةِ رُسْتُمَ عَنْهُ: تَكُونُ عَلَى الْبَائِعِ؛ لأَِنَّ النَّقْدَ يَكُونُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، وَلأَِنَّ الْبَائِعَ هُوَ الْمُحْتَاجُ إِلَيْهِ، لِيُمَيِّزَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ لِيَعْرِفَ الْمَعِيبَ لِيَرُدَّهُ. وَبِهَذَا قَال الشَّافِعِيَّةُ.
وَفِي الرِّوَايَةِ الأُْخْرَى عَنْ مُحَمَّدٍ، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ سَمَاعَةَ عَنْهُ: أَنَّهَا تَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي، لأَِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى تَسْلِيمِ الْجَيِّدِ الْمُقَدَّرِ، وَالْجُودَةُ تُعْرَفُ بِالنَّقْدِ، كَمَا يُعْرَفُ الْقَدْرُ بِالْوَزْنِ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ.
وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ أُجْرَةَ النَّقَّادِ عَلَى الْبَاذِل، سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَائِعَ أَمِ الْمُشْتَرِيَ.
قَال الشِّرْبِينِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: وَأُجْرَةُ نَقَّادِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ، ثُمَّ قَال: وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَبِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي، لأَِنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ إِظْهَارُ عَيْبٍ إِنْ كَانَ لِيَرُدَّ بِهِ (2) .
__________
(1) وهو الذي يرجع إليه في معرفة صحيح النقد من زائفه.
(2) الهداية 3 / 27، والشرح الصغير 2 / 70 - 71 ط الحلبي، وجواهر الإكليل 2 / 50، ومغني المحتاج 2 / 73، وشرح منتهى الإرادات 2 / 191 - 192، والمغني 4 / 126.
سَادِسًا: هَلاَكُ الْمَبِيعِ أَوِ الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ كُلِّيًّا أَوْ جُزْئِيًّا قَبْل التَّسْلِيمِ:
59 - مِنْ آثَارِ وُجُوبِ الْبَيْعِ: أَنَّ الْبَائِعَ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ إِلَى الْمُشْتَرِي، وَلاَ يَسْقُطُ عَنْهُ هَذَا الْحَقُّ إِلاَّ بِالأَْدَاءِ، وَيَظَل الْبَائِعُ مَسْئُولاً فِي حَالَةِ هَلاَكِ الْمَبِيعِ، وَتَكُونُ تَبِعَةُ الْهَلاَكِ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْهَلاَكُ بِفِعْل فَاعِلٍ أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ.
وَهَذَا يَنْطَبِقُ عَلَى الثَّمَنِ إِذَا كَانَ مُعَيَّنًا، وَهُوَ مَا لَمْ يَكُنْ مُلْتَزَمًا فِي الذِّمَّةِ، لأَِنَّ عَيْنَهُ فِي هَذِهِ الْحَال مَقْصُودَةٌ فِي الْعَقْدِ كَالْمَبِيعِ.
أَمَّا الثَّمَنُ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الْبَائِعَ أَخْذُ بَدَلِهِ (1) .
وَالْهَلاَكُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ كُلِّيًّا أَوْ جُزْئِيًّا:
فَإِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ كُلُّهُ قَبْل التَّسْلِيمِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، فَإِنَّهُ يَهْلِكُ عَلَى ضَمَانِ الْبَائِعِ، لِحَدِيثِ: نَهَى عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ (2) .
وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ وَيَسْقُطُ الثَّمَنُ، وَذَلِكَ لاِسْتِحَالَةِ تَنْفِيذِ الْعَقْدِ (3) . وَهَذَا
__________
(1) شرح منتهى الإرادات 2 / 189 و 205، وجواهر الإكليل - 1 / 306، ومنح الجليل 2 / 100.
(2) حديث: " نهى عن ربح ما لم يضمن " أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وأحمد في مسنده. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح وصححه الشيخ أحمد شاكر (سنن الترمذي 3 / 535 ط الحلبي، وجامع الأصول 1 / 457 ومسند أحمد 10 / 160 ط دار المعارف) .
(3) شرح المجلة (المادة 293) ، وشرح منتهى الإرادات 2 / 189، ومغني المحتاج 2 / 65، والقليوبي 2 / 210 - 211.

الصفحة 34