كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 9)

كَانَ الثَّمَنُ غَائِبًا عَنِ الْبَلَدِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْفَسْخِ، لأَِنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّقَاضِي لِلْحُصُول عَلَى حَقِّهِ، وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دَائِنٌ، كَغَيْرِهِ مِنَ الدَّائِنِينَ. وَهَذَا عِنْدَهُمْ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ لِنَفْسِهِ خِيَارَ النَّقْدِ، بِأَنْ يَقُول مَثَلاً: إِنْ لَمْ تَدْفَعِ الثَّمَنَ فِي مَوْعِدِ كَذَا فَلاَ بَيْعَ بَيْنَنَا. وَاخْتُلِفَ فِي مُقْتَضَى هَذَا الشَّرْطِ، هَل هُوَ انْفِسَاخُ الْبَيْعِ، أَوِ اسْتِحْقَاقُهُ الْفَسْخَ بِاعْتِبَارِهِ فَاسِدًا؟ وَالْمُرَجَّحُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهُ يَفْسُدُ وَلاَ يَنْفَسِخُ (1) ، وَتَفْصِيلُهُ فِي (خِيَارُ النَّقْدِ)
وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ تَفْصِيلٌ - فِي حَال إِخْلاَل الْمُشْتَرِي بِأَدَاءِ الثَّمَنِ الْحَال، لاَ لِلْفَلْسِ، بَل لِغِيَابِ مَالِهِ غَيْبَةً قَرِيبَةً فِي بَلَدِهِ، أَوْ فِي أَقَل مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ - خُلاَصَتُهُ: الْحَجْرُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ وَسَائِرِ أَمْوَالِهِ حَتَّى يُسَلِّمَ الثَّمَنَ، خَوْفًا مِنْ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِهِ تَصَرُّفًا يَضُرُّ بِالْبَائِعِ. أَمَّا إِنْ كَانَ الْمَال غَائِبًا مَسَافَةَ الْقَصْرِ فَأَكْثَرَ، فَإِنَّهُ لاَ يُكَلَّفُ الْبَائِعُ الصَّبْرَ إِلَى إِحْضَارِهِ، بَل يُحْجَرُ عَلَى الْمَبِيعِ وَمَال الْمُشْتَرِي كَمَا سَبَقَ. وَيَمْلِكُ الْبَائِعُ الْفَسْخَ فِي الأَْصَحِّ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ وَجْهٌ لِلْحَنَابِلَةِ، وَهَذَا فَضْلاً عَنْ حَقِّهِ فِي حَبْسِ مَبِيعِهِ حَتَّى يَقْبِضَ ثَمَنَهُ. وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَجْهٌ بِأَنَّهُ: لاَ خِيَارَ لِلْبَائِعِ فِي الْفَسْخِ فِيمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ،
__________
(1) المغني 4 / 219 - 220، ومغني المحتاج 2 / 75، والشرح الصغير للدردير 2 / 71، وشرح المجلة 2 / 191، وحاشية ابن عابدين 4 / 24.
لأَِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَاضِرِ. وَالْقَوْل الآْخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ، بَل يُبَاعُ الْمَبِيعُ، وَيُؤَدَّى حَقُّهُ مِنَ الثَّمَنِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ (1) .

اشْتِرَاطُ التَّرَادِّ بِالتَّخَلُّفِ عَنِ الأَْدَاءِ:
65 - مِمَّا يَتَّصِل بِمَا سَبَقَ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ - مِنْ إِثْبَاتِ حَقِّ الْفَسْخِ إِذَا اشْتَرَطَهُ لِعَدَمِ الأَْدَاءِ فِي الْمَوْعِدِ الْمُحَدَّدِ، وَهُوَ مَا يُسَمَّى (خِيَارَ النَّقْدِ) - تَصْرِيحُ الْمَالِكِيَّةِ بِمِثْلِهِ فِيمَا إِذَا قَال الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: بِعْتُكَ لِوَقْتِ كَذَا، أَوْ عَلَى أَنْ تَأْتِيَنِي بِالثَّمَنِ فِي وَقْتِ كَذَا، فَإِنْ لَمْ تَأْتِ بِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلاَ بَيْعَ بَيْنَنَا، فَقَدْ جَاءَ فِي الْمُدَوَّنَةِ تَصْحِيحُ الْبَيْعِ وَبُطْلاَنُ الشَّرْطِ.
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ قَوْلاَنِ آخَرَانِ: صِحَّةُ الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ. وَفَسْخُ الْبَيْعِ (2) . وَتَفْصِيلُهُ فِي (خِيَارُ النَّقْدِ) .
هَذَا وَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلاً، فَإِنَّ عَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ، وَلاَ يُطَالِبُ الْمُشْتَرِيَ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ إِلاَّ عِنْدَ حُلُول الأَْجَل (3) . وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الثَّمَنُ مُنَجَّمًا. وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ فِي الثَّمَنِ الْمُؤَجَّل لَيْسَ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ بِهِ، وَإِنْ حَل قَبْل التَّسْلِيمِ لِرِضَاهُ بِتَأْخِيرِهِ (4) .
__________
(1) المراجع السابقة.
(2) الشرح الصغير 2 / 84، والدسوقي 3 / 175، وفتح العلي المالك 1 / 353.
(3) شرح المجلة المادة (283) .
(4) مغني المحتاج 2 / 75.

الصفحة 39