كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 9)

إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ بِإِذْنِ مَالِكِهَا عُرْفًا، تَسْهِيلاً لِلأَْمْرِ وَدَفْعًا لِلْحَرَجِ، كَمَا هُوَ الْعَادَةُ. وَلَمْ يَرْتَضِ الْحَمَوِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا الْمَعْنَى.
وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ: إِنَّ الْمَسْأَلَةَ اسْتِحْسَانٌ، وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُهَا عَلَى قَرْضِ الأَْعْيَانِ، وَيَكُونُ ضَمَانُهَا بِالثَّمَنِ اسْتِحْسَانًا، كَحِل الاِنْتِفَاعِ فِي الأَْشْيَاءِ الْقِيَمِيَّةِ؛ لأَِنَّ قَرْضَهَا فَاسِدٌ لاَ يَحِل الاِنْتِفَاعُ بِهِ وَإِنْ مُلِّكَتْ بِالْقَبْضِ.

4 - الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ نَفْسُ الصُّورَةِ الأُْولَى، لَكِنْ تَخْتَلِفُ عَنْهَا بِالنِّسْبَةِ لِمَعْرِفَةِ الثَّمَنِ، أَيْ إِنَّ الإِْنْسَانَ يَأْخُذُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ شَيْئًا فَشَيْئًا مَعَ الْعِلْمِ بِالثَّمَنِ وَقْتَ الأَْخْذِ، ثُمَّ يُحَاسِبُهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَهَذَا الْبَيْعُ جَائِزٌ وَلاَ خِلاَفَ فِي انْعِقَادِهِ، لأَِنَّهُ كُلَّمَا أَخَذَ شَيْئًا انْعَقَدَ بَيْعًا بِثَمَنِهِ الْمَعْلُومِ، وَيَكُونُ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي، وَالْبَيْعُ بِالتَّعَاطِي يَنْعَقِدُ، سَوَاءٌ أَدَفَعَ الثَّمَنَ وَقْتَ الأَْخْذِ أَمْ تَأَجَّل.
وَمِثْلُهَا فِي الْحُكْمِ: أَنْ يَدْفَعَ الإِْنْسَانُ إِلَى الْبَيَّاعِ الدَّرَاهِمَ دُونَ أَنْ يَقُول لَهُ: اشْتَرَيْتُ، وَجَعَل يَأْخُذُ كُل يَوْمٍ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ مَعَ الْعِلْمِ بِثَمَنِهَا.
هَذَا الْبَيْعُ جَائِزٌ، وَمَا أَكَلَهُ حَلاَلٌ، لأَِنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الشِّرَاءَ وَقْتَ الدَّفْعِ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَنْعَقِدُ بَيْعًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَإِنَّمَا انْعَقَدَ بَيْعًا الآْنَ بِالتَّعَاطِي، وَالآْنَ الْمَبِيعُ مَعْلُومٌ فَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ صَحِيحًا.
5 - الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَدْفَعَ الإِْنْسَانُ إِلَى الْبَيَّاعِ دَرَاهِمَ، وَيَقُول لَهُ: اشْتَرَيْتُ مِنْكَ مِائَةَ رِطْلٍ مِنْ خُبْزٍ مَثَلاً، وَجَعَل يَأْخُذُ كُل يَوْمٍ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ.
هَذَا الْبَيْعُ فَاسِدٌ، وَمَا أَكَل فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَذَلِكَ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ، لأَِنَّهُ اشْتَرَى خُبْزًا غَيْرَ مُشَارٍ إِلَيْهِ فَكَانَ الْمَبِيعُ مَجْهُولاً، وَمِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ: أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَعْلُومًا.

6 - الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ: وَهِيَ أَنْ يَدْفَعَ الإِْنْسَانُ الدَّرَاهِمَ لِلْبَيَّاعِ دُونَ أَنْ يَقُول لَهُ: اشْتَرَيْتُ، وَجَعَل يَأْخُذُ كُل يَوْمٍ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَلاَ يَعْلَمُ ثَمَنَهَا. فَهَذَا لاَ يَنْعَقِدُ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ، فَإِذَا تَصَرَّفَ الآْخِذُ فِي الْمَبِيعِ، وَقَدْ دَفَعَهُ الْبَيَّاعُ بِرِضَاهُ بِالدَّفْعِ وَبِالتَّصَرُّفِ فِيهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْوِيضِ عَنْهُ، لَمْ يَنْعَقِدْ بَيْعًا، وَإِنْ كَانَ عَلَى نِيَّةِ الْبَيْعِ، لأَِنَّ الْبَيْعَ لاَ يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ، فَيَكُونُ شَبِيهَ الْقَرْضِ الْمَضْمُونِ بِمِثْلِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ، فَإِذَا تَوَافَقَا عَلَى شَيْءٍ بَدَل الْمِثْل أَوِ الْقِيمَةِ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الآْخِذِ (1) .

مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ:
الصُّوَرُ الَّتِي وَرَدَتْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ هِيَ:
7 - أَنْ يَضَعَ الإِْنْسَانُ عِنْدَ الْبَيَّاعِ دَرَاهِمَ، ثُمَّ يَأْخُذَ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنَ الدَّرَاهِمِ سِلْعَةً مَعْلُومَةً
__________
(1) الدر المختار وحاشية ابن عابدين 4 / 12، 13، والبحر الرائق 5 / 279، وأشباه ابن نجيم ص 364.

الصفحة 44