كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 9)

الْبَيْعُ بِمَا يَنْقَطِعُ بِهِ السِّعْرُ لاَ يَصِحُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الأَْصْحَابُ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ: يَصِحُّ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ، وَقَال: هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ.
وَمِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ كَوْنُ الثَّمَنِ مَعْلُومًا حَال الْعَقْدِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الأَْصْحَابُ، وَاخْتَارَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ صِحَّةَ الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ الثَّمَنُ، وَلَهُ ثَمَنُ الْمِثْل، نَظِيرُهُ: صِحَّةُ النِّكَاحِ بِدُونِ تَسْمِيَةِ مَهْرٍ، وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْل (1) .
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي فَوَائِدِهِ عَلَى مُشْكِل الْمُحَرَّرِ (2) اخْتِلاَفَ الرِّوَايَاتِ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ فِي مَسَائِل الْبَيْعِ بِغَيْرِ ذِكْرِ الثَّمَنِ، وَأَوْرَدَ صُورَتَيْنِ اخْتَلَفَ فِيهِمَا رَأْيُ الإِْمَامِ أَحْمَدَ، فَلَمْ يُجِزِ الْبَيْعَ فِي إِحْدَاهُمَا، وَأَجَازَهُ فِي الأُْخْرَى.
14 - قَال الْخَلاَّل فِي الْبَيْعِ بِغَيْرِ ثَمَنٍ مُسَمًّى، عَنْ حَرْبٍ: سَأَلْتُ الإِْمَامَ أَحْمَدَ قُلْتُ: الرَّجُل يَقُول لِرَجُلٍ: ابْعَثْ لِي جَرِيبًا مِنْ بُرٍّ، وَاحْسِبْهُ عَلَيَّ بِسِعْرِ مَا تَبِيعُ. قَال: لاَ يَجُوزُ هَذَا حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُ السِّعْرَ.
وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ قُلْتُ لِلإِْمَامِ أَحْمَدَ: الرَّجُل يَأْخُذُ مِنَ الرَّجُل سِلْعَةً فَيَقُول: أَخَذْتُهَا مِنْكَ عَلَى مَا تَبِيعُ الْبَاقِيَ، قَال: لاَ يَجُوزُ، وَعَنْ
__________
(1) الإنصاف 4 / 310.
(2) النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر 1 / 298، 299.
حَنْبَلٍ قَال عَمِّي: أَنَا أَكْرَهُهُ، لأَِنَّهُ بَيْعُ مَجْهُولٍ، وَالسِّعْرُ يَخْتَلِفُ، يَزِيدُ وَيَنْقُصُ.
فِي هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ لاَ يُجِيزُ الإِْمَامُ أَحْمَدُ هَذَا الْبَيْعَ.
15 - أَمَّا رِوَايَتَا الْجَوَازِ فَهُمَا: قَال أَبُو دَاوُدَ فِي مَسَائِلِهِ: بَابٌ فِي الشِّرَاءِ وَلاَ يُسَمَّى الثَّمَنُ. سَمِعْتُ أَحْمَدَ سُئِل عَنِ الرَّجُل يَبْعَثُ إِلَى الْبَقَّال، فَيَأْخُذُ مِنْهُ الشَّيْءَ بَعْدَ الشَّيْءِ، ثُمَّ يُحَاسِبُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، قَال: أَرْجُو أَنْ لاَ يَكُونَ بِذَلِكَ بَأْسٌ، قِيل لأَِحْمَدَ: يَكُونُ الْبَيْعُ سَاعَتَئِذٍ؟ قَال: لاَ.
قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الثَّمَنِ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ، وَأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ الْقَبْضِ وَإِنَّمَا كَانَ وَقْتَ التَّحَاسُبِ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ: صِحَّةُ الْبَيْعِ بِالسِّعْرِ، أَيِ السِّعْرِ الْمَعْهُودِ بَيْعُهُ بِهِ. وَعَنْ مُثَنَّى بْنِ جَامِعٍ عَنْ أَحْمَدَ فِي الرَّجُل يَبْعَثُ إِلَى مُعَامِلٍ لَهُ، لِيَبْعَثَ إِلَيْهِ بِثَوْبٍ، فَيَمُرُّ بِهِ فَيَسْأَلُهُ عَنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ فَيُخْبِرُهُ، فَيَقُول لَهُ: اكْتُبْهُ. وَالرَّجُل يَأْخُذُ التَّمْرَ فَلاَ يَقْطَعُ ثَمَنَهُ، ثُمَّ يَمُرُّ بِصَاحِبِ التَّمْرِ فَيَقُول لَهُ: اكْتُبْ ثَمَنَهُ؟ فَأَجَازَهُ إِذَا ثَمَّنَهُ بِسِعْرِ يَوْمِ أَخْذِهِ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الشِّرَاءِ بِثَمَنِ الْمِثْل وَقْتَ الْقَبْضِ لاَ وَقْتَ الْمُحَاسَبَةِ، سَوَاءٌ أَذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ أَمْ أَطْلَقَ لَفْظَ الأَْخْذِ زَمَنَ الْبَيْعِ. وَرِوَايَةُ الْجَوَازِ هَذِهِ هِيَ مَا اخْتَارَهَا وَأَخَذَ بِهَا

الصفحة 46