كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 9)

بَيْعُ الْمُسْتَرْسِل:
10 - عَرَّفَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ: قَوْل الشَّخْصِ لِغَيْرِهِ بِعْنِي كَمَا تَبِيعُ النَّاسَ، أَوْ بِسِعْرِ السُّوقِ، أَوْ بِسِعْرِ الْيَوْمِ، أَوْ بِمَا يَقُولُهُ فُلاَنٌ، أَوْ أَهْل الْخِبْرَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ.
وَالْمُسْتَرْسِل - كَمَا عَرَّفَهُ الإِْمَامُ أَحْمَدُ - هُوَ الْجَاهِل بِقِيمَةِ السِّلْعَةِ وَلاَ يُحْسِنُ الْمُمَاكَسَةَ أَوْ لاَ يُمَاكِسُ.
وَبَيْعُ الْمُسْتَرْسِل بِهَذَا التَّعْرِيفِ يَنْعَقِدُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَاخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْمُسْتَرْسِل فِيهِ (1) .

حُكْمُ الْخِيَانَةِ فِي بُيُوعِ الأَْمَانَةِ:
سَبَقَ أَنَّ هَذِهِ الْبُيُوعَ إِنَّمَا سُمِّيَتْ بُيُوعَ الأَْمَانَةِ لأَِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الثِّقَةِ وَالاِطْمِئْنَانِ فِي التَّعَامُل بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ: الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي.
11 - فَأَمَّا فِي بَيْعِ الْوَفَاءِ - عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُهُ - فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ الْمَبِيعِ إِلَى بَائِعِهِ بَعْدَ تَسَلُّمِ الثَّمَنِ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ إِمْسَاكُ الْمَبِيعِ؛ لأَِنَّ بَيْعَ الْوَفَاءِ لاَ يَسُوغُ لِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ النَّاقِل لِلْمِلْكِيَّةِ، وَمِنْ ثَمَّ فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِغَيْرِ بَائِعِهِ وَلَيْسَ فِيهِ الشُّفْعَةُ، وَخَرَاجُهُ عَلَى بَائِعَةِ، وَلَوْ هَلَكَ
__________
(1) القواعد الفقهية ص 269، ومواهب الجليل 4 / 470، والدسوقي 3 / 55، والزرقاني 5 / 175، والمغني 3 / 584، وابن عابدين 4 / 159، وروضة الطالبين 3 / 419، والمجموع 12 / 118.
الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَلاَ شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الآْخَرِ؛ لأَِنَّ يَدَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمَبِيعِ يَدُ أَمَانَةٍ.
وَإِذَا مَاتَ الْبَائِعُ انْتَقَل الْمَبِيعُ بِالإِْرْثِ إِلَى وَرَثَتِهِ (1) . وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ (بَيْعُ الْوَفَاءِ) .
12 - وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِبُيُوعِ الأَْمَانَةِ الأُْخْرَى فَإِنَّهُ إِذَا ظَهَرَتِ الْخِيَانَةُ فِي الْمُرَابَحَةِ، فَلاَ يَخْلُو إِمَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ ظَهَرَتْ فِي صِفَةِ الثَّمَنِ، أَوْ أَنَّهَا ظَهَرَتْ فِي قَدْرِهِ.
فَإِنْ ظَهَرَتِ الْخِيَانَةُ فِي صِفَةِ الثَّمَنِ، بِأَنِ اشْتَرَى شَيْئًا بِنَسِيئَةٍ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الأَْوَّل، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِنَسِيئَةٍ، أَوْ بَاعَهُ تَوْلِيَةً وَلَمْ يُبَيِّنْ، ثُمَّ عَلِمَ الْمُشْتَرِي، فَلَهُ الْخِيَارُ بِالإِْجْمَاعِ، إِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ؛ لأَِنَّ الْمُرَابَحَةَ عَقْدٌ بُنِيَ عَلَى الأَْمَانَةِ؛ لأَِنَّ الْمُشْتَرِيَ اعْتَمَدَ الْبَائِعَ وَائْتَمَنَهُ فِي الْخَبَرِ عَنِ الثَّمَنِ الأَْوَّل، فَكَانَتِ الأَْمَانَةُ مَطْلُوبَةً فِي هَذَا الْعَقْدِ، فَكَانَتْ صِيَانَتُهُ عَنِ الْخِيَانَةِ مَشْرُوطَةً دَلاَلَةً، وَفَوَاتُهَا يُوجِبُ الْخِيَارَ كَفَوَاتِ السَّلاَمَةِ عَنِ الْعَيْبِ.
وَإِنْ ظَهَرَتِ الْخِيَانَةُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ فِي الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ، بِأَنْ قَال: اشْتَرَيْتُ بِعَشَرَةٍ وَبِعْتُكَ بِرِبْحِ دِينَارٍ عَلَى كُل عَشَرَةِ دَنَانِيرَ، أَوْ قَال: اشْتَرَيْتُ بِعَشَرَةٍ وَوَلَّيْتُكَ بِمَا تَوَلَّيْتَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ
__________
(1) ابن عابدين 4 / 247، والفتاوى الهندية 3 / 209، ومعين الحكام ص 183، وبغية المسترشدين ص 133.

الصفحة 50