كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 9)

كَانَ اشْتَرَاهُ بِتِسْعَةٍ، فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي حُكْمِهِ:
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ - فِي الأَْظْهَرِ - وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَقَال بِهِ أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِلَى أَنَّهُ لاَ خِيَارَ لَهُ، وَلَكِنْ يَحُطُّ قَدْرَ الْخِيَانَةِ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَذَلِكَ دِرْهَمٌ فِي التَّوْلِيَةِ وَدِرْهَمٌ فِي الْمُرَابَحَةِ، وَحِصَّتُهُ مِنَ الرِّبْحِ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ عَشَرَةِ أَجْزَاءٍ مِنْ دِرْهَمٍ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ.
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فِي الْمُرَابَحَةِ، إِنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَفِي التَّوْلِيَةِ لاَ خِيَارَ لَهُ، لَكِنْ يَحُطُّ قَدْرَ الْخِيَانَةِ، وَيَلْزَمُ الْعَقْدُ بِالثَّمَنِ الْبَاقِي.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ حَطَّ الْبَائِعُ الزَّائِدَ الْمَكْذُوبَ وَرِبْحَهُ لَزِمَ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يَحُطَّ لَمْ يَلْزَمِ الْمُشْتَرِيَ وَخُيِّرَ بَيْنَ الإِْمْسَاكِ وَالرَّدِّ.
وَفِي الْقَوْل الثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ، وَبِهِ قَال مُحَمَّدٌ: لَهُ الْخِيَارُ فِي الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ جَمِيعًا، إِنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ.
13 - وَأَمَّا الْمُوَاضَعَةُ، فَإِنَّهَا تُطَبَّقُ عَلَيْهَا شُرُوطُ الْمُرَابَحَةِ وَأَحْكَامُهَا، إِذْ هِيَ بَيْعٌ بِمِثْل الثَّمَنِ الأَْوَّل مَعَ نُقْصَانٍ مَعْلُومٍ مِنْهُ.
وَكَذَا الإِْشْرَاكُ حُكْمُهُ حُكْمُ التَّوْلِيَةِ، وَلَكِنَّهُ تَوْلِيَةُ بَعْضِ الْمَبِيعِ بِبَعْضِ الثَّمَنِ (1) .
14 - وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِبَيْعِ الْمُسْتَرْسِل فَمِنْ صُوَرِهِ:
__________
(1) البدائع 5 / 225 - 226، 228، وابن عابدين 4 / 163، والدسوقي 3 / 168، وقليوبي 2 / 223، وكشاف القناع 3 / 231.
أَنْ يَقُول الرَّجُل لِلرَّجُل: بِعْنِي كَمَا تَبِيعُ النَّاسَ، فَهَذَا الْبَيْعُ صَحِيحٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَلَكِنْ إِنْ غَبَنَهُ بِمَا يَخْرُجُ عَنِ الْعَادَةِ فَلَهُ الْخِيَارُ.
15 - وَمِنْ صُوَرِهِ أَيْضًا: أَنْ يَبِيعَ شَخْصًا لاَ يُمَاكِسُ، أَوْ لاَ يُحْسِنُ الْمُمَاكَسَةَ، فَكَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ اسْتَرْسَل إِلَى الْبَائِعِ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ، فَأَخَذَ مَا أَعْطَاهُ مِنْ غَيْرِ مُمَاكَسَةٍ، وَلاَ مَعْرِفَةٍ بِغَبْنِهِ.
وَبَيْعُ الْمُسْتَرْسِل بِهَذَا التَّعْرِيفِ يَنْعَقِدُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْمُسْتَرْسِل فِيهِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ - وَالشَّافِعِيَّةُ: إِلَى أَنَّهُ لاَ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارِ؛ لأَِنَّ نُقْصَانَ قِيمَةِ السِّلْعَةِ مَعَ سَلاَمَتِهَا لاَ يَمْنَعُ لُزُومَ الْعَقْدِ، وَمُجَرَّدُ كَوْنِهِ مَغْبُونًا لاَ يُثْبِتُ لَهُ خِيَارًا، لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْقَوْل الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَهُمْ، وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُ إِذَا كَانَ الْغَبْنُ فَاحِشًا. وَفَسَّرَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِمَا لاَ يَدْخُل تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ؛ لأَِنَّ مَا لَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِتَحْدِيدِهِ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى الْعُرْفِ، وَفَسَّرَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ بِأَنَّهُ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوَصِيَّةِ: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ (1)
__________
(1) حديث: " الثلث، والثلث كثير ". أخرجه البخاري (الفتح 12 / 14 ط السلفية) .

الصفحة 51