كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 9)

الْمَذْهَبُ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ، وَذَلِكَ لأَِنَّهُ مَتَى بَطَل الْعَقْدُ فِي الْبَعْضِ بَطَل فِي الْكُل؛ لأَِنَّ الصَّفْقَةَ غَيْرُ مُتَجَزِّئَةٍ، أَوْ لِتَغْلِيبِ الْحَرَامِ عَلَى الْحَلاَل عِنْدَ اجْتِمَاعِهَا، أَوْ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ.
وَالْقَوْل الأَْظْهَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ الْقَصَّارِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ يَجُوزُ تَجْزِئَةُ الصَّفْقَةِ، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِيمَا يَجُوزُ، وَيَبْطُل فِيمَا لاَ يَجُوزُ؛ لأَِنَّ الإِْبْطَال فِي الْكُل لِبُطْلاَنِ أَحَدِهِمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ تَصْحِيحِ الْكُل لِصِحَّةِ أَحَدِهِمَا، فَيَبْقَيَانِ عَلَى حُكْمِهِمَا، وَيَصِحُّ فِيمَا يَجُوزُ، وَيَبْطُل فِيمَا لاَ يَجُوزُ.
وَقَال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: إِنْ عَيَّنَ ابْتِدَاءً لِكُل شِقٍّ حِصَّتَهُ مِنَ الثَّمَنِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تُعْتَبَرُ الصَّفْقَةُ صَفْقَتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ تَجُوزُ فِيهِمَا التَّجْزِئَةُ، فَتَصِحُّ وَاحِدَةٌ وَتَبْطُل الأُْخْرَى.
وَهَذِهِ إِحْدَى صُوَرِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ فِي شِقٍّ مِنْهُ صَحِيحًا، وَفِي الشِّقِّ الآْخَرِ مَوْقُوفًا، كَالْجَمْعِ بَيْنَ دَارِهِ وَدَارِ غَيْرِهِ، وَبَيْعِهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً، فَإِنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ فِيهِمَا، وَيَلْزَمُ فِي مِلْكِهِ، وَيُوقَفُ اللُّزُومُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ عَلَى إِجَازَتِهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ عَدَا زُفَرَ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى قَاعِدَةِ عَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً، وَجَوَازُ ذَلِكَ بَقَاءً.
وَعِنْدَ زُفَرَ: يَبْطُل الْجَمِيعُ؛ لأَِنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الْمَجْمُوعِ، وَالْمَجْمُوعُ لاَ يَتَجَزَّأُ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: يَجْرِي الْخِلاَفُ السَّابِقُ فِي الصُّورَةِ الأُْولَى؛ لأَِنَّ الْعَقْدَ الْمَوْقُوفَ عِنْدَهُمْ بَاطِلٌ فِي الأَْصْل.
وَالصُّورَةُ الثَّالِثَةُ ذَكَرَهَا ابْنُ قُدَامَةَ، وَهِيَ: أَنْ يَبِيعَ مَعْلُومًا وَمَجْهُولاً، كَقَوْلِهِ: بِعْتُكَ هَذِهِ الْفَرَسَ وَمَا فِي بَطْنِ هَذِهِ الْفَرَسِ الأُْخْرَى بِأَلْفٍ، فَهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ بِكُل حَالٍ. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَلاَ أَعْلَمُ فِي بُطْلاَنِهِ خِلاَفًا (1) .

هـ - تَصْحِيحُ الْبَيْعِ الْبَاطِل:
13 - تَصْحِيحُ الْبَيْعِ الْبَاطِل يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِصُورَتَيْنِ.
الأُْولَى: إِذَا ارْتَفَعَ مَا يَبْطُل الْعَقْدَ، فَهَل يَنْقَلِبُ الْبَيْعُ صَحِيحًا؟
الثَّانِيَةُ: إِذَا كَانَتْ صِيغَةُ الْبَيْعِ الْبَاطِل تُؤَدِّي إِلَى مَعْنَى عَقْدٍ آخَرَ صَحِيحٍ، فَهَل يَتَحَوَّل الْبَيْعُ الْبَاطِل إِلَى عَقْدٍ آخَرَ صَحِيحٍ؟ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي: أَمَّا الصُّورَةُ الأُْولَى: فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْبَيْعِ الْبَاطِل وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، فَيَصِحُّ عِنْدَهُمْ فِي
__________
(1) الأشباه لابن نجيم 113، 114، والبدائع 5 / 145، وابن عابدين 4 / 104، والاختيار 2 / 23، وجواهر الإكليل 2 / 6، والقوانين الفقهية ص 172، والدسوقي 2 / 266، والأشباه للسيوطي ص 120 - 122، والمنثور في القواعد 1 / 382، ونهاية المحتاج 3 / 461، وروضة الطالبين 3 / 420، والمغني 4 / 261، 262.

الصفحة 59