كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 9)

أَنْ يُرَادَ بِالشَّيْءِ مَا وُضِعَ لَهُ (1) .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ بَيْعِ التَّلْجِئَةِ وَبَيْعِ الْهَازِل: أَنَّ بَيْعَ التَّلْجِئَةِ وَإِنْ كَانَ الدَّافِعُ إِلَيْهِ فِي الْغَالِبِ هُوَ الإِْكْرَاهَ إِلاَّ أَنَّهُ فِي حَقِيقَتِهِ هُوَ بَيْعُ الْهَازِل؛ لأَِنَّ الْبَائِعَ فِي بَيْعِ التَّلْجِئَةِ تَلَفَّظَ بِصِيغَةِ الْبَيْعِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لاَ يُرِيدُ الْبَيْعَ، وَلِهَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ أَنَّهُ يُشْبِهُ بَيْعَ الْهَازِل (2) .
إِذِ الْهَزْل يُنَافِي اخْتِيَارَ الْحُكْمِ وَالرِّضَى بِهِ وَلاَ يُنَافِي الرِّضَى بِالْمُبَاشَرَةِ وَاخْتِيَارَهَا، فَصَارَ بِمَعْنَى خِيَارِ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ (3) .

التَّلْجِئَةُ فِي غَيْرِ الْبَيْعِ:
5 - تَكُونُ التَّلْجِئَةُ فِي النِّكَاحِ، كَمَا إِذَا خَطَبَ مَنْ هُوَ قَاهِرٌ لِشَخْصٍ بَعْضَ بَنَاتِهِ، فَأَنْكَحَهُ الْمَخْطُوبُ إِلَيْهِ، وَأَشْهَدَ شُهُودَ الاِسْتِرْعَاءِ سِرًّا: أَنِّي إِنَّمَا أَفْعَلُهُ خَوْفًا مِنْهُ، وَهُوَ مِمَّنْ يُخَافُ عَدَاوَتُهُ، وَأَنَّهُ إِنْ شَاءَ اخْتَارَهَا لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ نِكَاحٍ، فَأَنْكَحَهُ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ نِكَاحٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا.
وَتَجْرِي التَّلْجِئَةُ أَيْضًا فِي التَّحْبِيسِ (الْوَقْفُ) وَالطَّلاَقِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهَا، مِنْ كُل تَطَوُّعٍ (4) .
__________
(1) كشف الأسرار عن أصول البزدوي 4 / 357، وتعريفات الجرجاني.
(2) بدائع الصنائع 5 / 176، 177.
(3) ابن عابدين 4 / 244، وأصول البزدوي 4 / 357.
(4) التبصرة 2 / 2 - 5.
أَقْسَامُ بَيْعِ التَّلْجِئَةِ:
6 - بَيْعُ التَّلْجِئَةِ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ تَكُونُ التَّلْجِئَةُ فِيهِ فِي نَفْسِ الْبَيْعِ، وَقِسْمٌ تَكُونُ التَّلْجِئَةُ فِيهِ فِي الثَّمَنِ. وَكُل قِسْمٍ مِنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ عَلَى ضَرْبَيْنِ؛ لأَِنَّ التَّلْجِئَةَ إِنْ كَانَتْ فِي نَفْسِ الْبَيْعِ فَإِنَّهَا إِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي إِنْشَاءِ الْبَيْعِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي الإِْقْرَارِ بِهِ. وَإِنْ كَانَتْ فِي الثَّمَنِ فَإِنَّهَا إِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي قَدْرِهِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي جِنْسِهِ.

الْقِسْمُ الأَْوَّل: أَنْ تَكُونَ التَّلْجِئَةُ فِي نَفْسِ الْبَيْعِ.
وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

الضَّرْبُ الأَْوَّل: بَيْعٌ تَكُونُ التَّلْجِئَةُ فِي إِنْشَائِهِ:
7 - وَذَلِكَ بِأَنْ يَتَوَاضَعَا فِي السِّرِّ لأَِمْرٍ أَلْجَأَهُمَا إِلَيْهِ: عَلَى أَنْ يُظْهِرَا الْبَيْعَ وَلاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هُوَ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ. نَحْوُ أَنْ يَخَافَ رَجُلٌ السُّلْطَانَ، فَيَقُول لآِخَرَ: إِنِّي أُظْهِرُ أَنِّي بِعْتُ مِنْكَ دَارِي، وَلَيْسَ بِبَيْعٍ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَلْجِئَةٌ، فَتَبَايَعَا، فَفِيهِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ مِنْ حَيْثُ الْجَوَازُ وَالْبُطْلاَنُ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْل أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (1) . وَهُوَ الْوَجْهُ الصَّحِيحُ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ.
وَذَكَرَ الْبُهُوتِيُّ: أَنَّهُ بَاطِلٌ قَوْلاً وَاحِدًا، حَيْثُ تَوَاطَآ عَلَيْهِ (2) .
__________
(1) بدائع الصنائع 5 / 176.
(2) الفروع 4 / 49، وكشاف القناع 3 / 149 ط النصر، والإنصاف 4 / 265 ط التراث.

الصفحة 64