كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 9)

بِدَلِيل أَنَّهُمَا لَوِ اتَّفَقَا عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ ثُمَّ عَقَدَا بِلاَ شَرْطٍ صَحَّ الْعَقْدُ (1) .
وَوَجْهُ الْقَوْل بِأَنَّ الثَّمَنَ هُوَ ثَمَنُ السِّرِّ: هُوَ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يَقْصِدَا الأَْلْفَ الزَّائِدَةَ، فَكَأَنَّهُمَا هَزَلاَ بِهَا (2) . أَيْ فَلاَ تُضَمُّ إِلَى الثَّمَنِ، وَيَبْقَى الثَّمَنُ هُوَ الثَّمَنَ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ فِي السِّرِّ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ الْقَائِلِينَ بِفَسَادِ بَيْعِ الْهَازِل (3) .
وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِصِحَّتِهِ - فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ - فَتُضَمُّ إِلَى الثَّمَنِ (4) .
هَذَا، وَيُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هَل هُوَ ثَمَنُ السِّرِّ أَوِ الثَّمَنُ الْمُعْلَنُ، أَنَّ مَحَلَّهُ إِنْ قَالاَ عِنْدَ الْمُوَاضَعَةِ: إِنَّ أَحَدَ الأَْلْفَيْنِ الْمُعْلَنَيْنِ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَقُولاَ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُوَاضَعَةِ فَالثَّمَنُ مَا تَعَاقَدَا عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ الثَّمَنَ اسْمٌ لِلْمَذْكُورِ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَالْمَذْكُورُ عِنْدَ الْعَقْدِ أَلْفَانِ (5) .

11 - الضَّرْبُ الثَّانِي: بَيْعٌ تَكُونُ فِيهِ التَّلْجِئَةُ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ.
وَمِثَال ذَلِكَ: أَنْ يَتَّفِقَا فِي السِّرِّ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ
__________
(1) الاختيار 2 / 22، والمجموع 9 / 334.
(2) الاختيار 2 / 22.
(3) بدائع الصنائع 5 / 176، وكشاف القناع 3 / 150.
(4) المجموع 9 / 334.
(5) بدائع الصنائع 5 / 177.
أَلْفُ دِرْهَمٍ، ثُمَّ يُظْهِرَا الْبَيْعَ بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَهَل يَبْطُل هَذَا الْبَيْعُ أَوْ يَصِحُّ بِالثَّمَنِ الْمُعْلَنِ؟ ذَهَبَ مُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ يَبْطُل قِيَاسًا، وَيَصِحُّ اسْتِحْسَانًا، أَيْ بِالثَّمَنِ الْمُعْلَنِ (1) .
وَمَحَلُّهُ - كَمَا جَاءَ فِي الْبَدَائِعِ - إِنْ قَالاَ عِنْدَ الْمُوَاضَعَةِ: إِنَّ الثَّمَنَ الْمُعْلَنَ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَقُولاَ ذَلِكَ فَالثَّمَنُ مَا تَعَاقَدَا عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ الثَّمَنَ اسْمٌ لِلْمَذْكُورِ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَالْمَذْكُورُ عِنْدَ الْعَقْدِ إِنَّمَا هُوَ مِائَةُ دِينَارٍ (2) .
وَوَجْهُ بُطْلاَنِ هَذَا الْبَيْعِ عَلَى الْقِيَاسِ: هُوَ أَنَّ ثَمَنَ السِّرِّ لَمْ يَذْكُرَاهُ فِي الْعَقْدِ، وَثَمَنَ الْعَلاَنِيَةِ لَمْ يَقْصِدَاهُ فَقَدْ هَزَلاَ بِهِ، فَسَقَطَ وَبَقِيَ بَيْعًا بِلاَ ثَمَنٍ فَلاَ يَصِحُّ (3) .
وَوَجْهُ صِحَّتِهِ اسْتِحْسَانًا: هُوَ أَنَّهُمَا لَمْ يَقْصِدَا بَيْعًا بَاطِلاً بَل بَيْعًا صَحِيحًا، فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ، وَلاَ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الصِّحَّةِ إِلاَّ بِثَمَنِ الْعَلاَنِيَةِ، فَكَأَنَّهُمَا انْصَرَفَا عَمَّا شَرَطَاهُ فِي الْبَاطِنِ، فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالظَّاهِرِ، كَمَا لَوِ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَبِيعَاهُ بَيْعَ تَلْجِئَةٍ فَتَوَاهَبَا، بِخِلاَفِ الأَْلْفِ وَالأَْلْفَيْنِ؛ لأَِنَّ الثَّمَنَ الْمَذْكُورَ الْمَشْرُوطَ فِي السِّرِّ مَذْكُورٌ فِي الْعَقْدِ وَزِيَادَةٌ، فَتَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِهِ (4) .
__________
(1) الاختيار 2 / 22.
(2) بدائع الصنائع 5 / 177.
(3) بدائع الصنائع 5 / 177، والاختيار 2 / 22.
(4) بدائع الصنائع 5 / 177، والاختيار 2 / 22.

الصفحة 67