كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 9)

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمِنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِل: أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ؟ فَقَال: عَمَل الرَّجُل بِيَدِهِ، وَكُل بَيْعٍ مَبْرُورٍ (1) وَكَذَلِكَ فِعْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِقْرَارُهُ أَصْحَابَهُ عَلَيْهِ.
وَالإِْجْمَاعُ قَدِ اسْتَقَرَّ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ.
أَمَّا الْمَعْقُول: فَلأَِنَّ الْحِكْمَةَ تَقْتَضِيهِ، لِتَعَلُّقِ حَاجَةِ الإِْنْسَانِ بِمَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ، وَلاَ سَبِيل إِلَى الْمُبَادَلَةِ إِلاَّ بِعِوَضٍ غَالِبًا، فَفِي تَجْوِيزِ الْبَيْعِ وُصُولٌ إِلَى الْغَرَضِ وَدَفْعٌ لِلْحَاجَةِ (2) .
هَذَا هُوَ الْحُكْمُ الأَْصْلِيُّ لِلْبَيْعِ، وَلَكِنْ قَدْ تَعْتَرِيهِ أَحْكَامٌ أُخْرَى، فَيَكُونُ مَحْظُورًا إِذَا اشْتَمَل عَلَى مَا هُوَ مَمْنُوعٌ بِالنَّصِّ، لأَِمْرٍ فِي الصِّيغَةِ، أَوِ الْعَاقِدَيْنِ، أَوِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. وَكَمَا يَحْرُمُ الإِْقْدَامُ عَلَى مِثْل هَذَا الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لاَ يَقَعُ صَحِيحًا، بَل يَكُونُ بَاطِلاً أَوْ فَاسِدًا عَلَى الْخِلاَفِ الْمَعْرُوفِ بَيْنَ الْجُمْهُورِ وَالْحَنَفِيَّةِ، وَيَجِبُ فِيهِ التَّرَادُّ. عَلَى تَفْصِيلٍ يُعْرَفُ فِي مُصْطَلَحِ (بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ) وَفِي أَفْرَادِ الْبُيُوعِ الْمُسَمَّاةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، وَفِي مُصْطَلَحَيْ (الْبَيْعُ الْبَاطِل، وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ) .
وَقَدْ يَكُونُ الْحُكْمُ الْكَرَاهَةَ، وَهُوَ مَا فِيهِ نَهْيٌ غَيْرُ جَازِمٍ وَلاَ يَجِبُ فَسْخُهُ، وَمَثَّل لَهُ الْحَطَّابُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِبَيْعِ السِّبَاعِ لاَ لأَِخْذِ جُلُودِهَا (3) .
__________
(1) حديث: ". . . عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور. . . " أخرجه أحمد 4 / 141 ط الميمنية، وأورده الهيثمي في المجمع 4 / 60 ط القدسي، وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط، وفيه المسعودي وهو ثقة، ولكنه اختلط، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح.
(2) المغني والشرح الكبير 4 / 3، وكشاف القناع 3 / 145، والمقدمات لابن رشد الجد 3 / 213، وفتح القدير 5 / 73.
(3) المراجع السابقة.
وَقَدْ يَعْرِضُ لِلْبَيْعِ الْوُجُوبُ، كَمَنْ اضْطُرَّ إِلَى شِرَاءِ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ لِحِفْظِ الْمُهْجَةِ.
كَمَا قَدْ يَعْرِضُ لَهُ النَّدْبُ، كَمَنْ أَقْسَمَ عَلَى إِنْسَانٍ أَنْ يَبِيعَ سِلْعَةً لاَ ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي بَيْعِهَا فَتُنْدَبُ إِجَابَتُهُ؛ لأَِنَّ إِبْرَارَ الْمُقْسَمِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ مَنْدُوبٌ.
7 - وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّةِ الْبَيْعِ ظَاهِرَةٌ، فَهِيَ الرِّفْقُ بِالْعِبَادِ وَالتَّعَاوُنُ عَلَى حُصُول مَعَاشِهِمْ (1) .

تَقْسِيمُ الْبَيْعِ:
8 - لِلْبَيْعِ تَقْسِيمَاتٌ عَدِيدَةٌ بِاعْتِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، أَهَمُّهَا تَقْسِيمُهُ بِاعْتِبَارِ (الْمَبِيعِ) وَبِاعْتِبَارِ (الثَّمَنِ) مِنْ حَيْثُ طَرِيقَةُ تَحْدِيدِهِ، وَمِنْ حَيْثُ كَيْفِيَّةُ أَدَائِهِ. وَبِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ التَّكْلِيفِيِّ أَوِ الْوَضْعِيِّ (الأَْثَرُ) .

أَوَّلاً - تَقْسِيمُ الْبَيْعِ بِاعْتِبَارِ الْمَبِيعِ:
يَنْقَسِمُ الْبَيْعُ بِاعْتِبَارِ مَوْضُوعِ الْمُبَادَلَةِ فِيهِ إِلَى أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ:
الْبَيْعُ الْمُطْلَقُ:
9 - وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْعَيْنِ بِالدَّيْنِ وَهُوَ أَشْهَرُ الأَْنْوَاعِ، وَيُتِيحُ لِلإِْنْسَانِ الْمُبَادَلَةَ بِنُقُودِهِ عَلَى كُل مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الأَْعْيَانِ، وَإِلَيْهِ يَنْصَرِفُ الْبَيْعُ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ فَلاَ يَحْتَاجُ كَغَيْرِهِ إِلَى تَقْيِيدٍ.

بَيْعُ السَّلَمِ:
10 - وَهُوَ مُبَادَلَةُ الدَّيْنِ بِالْعَيْنِ، أَوْ بَيْعُ شَيْءٍ مُؤَجَّلٍ بِثَمَنٍ مُعَجَّلٍ (2) . وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (سَلَم) .
__________
(1) حاشية العدوي 2 / 125، ومحاسن الإسلام للبخاري الحنفي ص 79.
(2) المجلة مادة (123) .

الصفحة 8