كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 10)

إِطْلاَقَ الآْيَةِ يَدُل عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى التَّرَاخِي، فَلاَ يَلْزَمُهُ بِالتَّأْخِيرِ شَيْءٌ، غَيْرَ أَنَّهُ تَارِكٌ لِلأَْوْلَى مِنَ الْمُسَارَعَةِ. (1)

تَأْخِيرُ الْحَجِّ:
13 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْحَجَّ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ، أَيِ الإِْتْيَانُ بِهِ فِي أَوَّل أَوْقَاتِ الاِسْتِطَاعَةِ. (2) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (3) وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (4) وَالأَْمْرُ لِلْفَوْرِ، وَلِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَرْفُوعًا قَال: تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ (5) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْحَجَّ يَجِبُ عَلَى التَّرَاخِي، لَكِنَّ جَوَازَ التَّأْخِيرِ عِنْدَهُمْ مَشْرُوطٌ بِأَمْرَيْنِ: الْعَزْمُ عَلَى الْفِعْل فِي
__________
(1) فتح القدير 2 / 275.
(2) ابن عابدين 2 / 140، والدسوقي 2 / 2، والحطاب 2 / 471، وكشاف القناع 2 / 377، والمغني 3 / 242.
(3) سورة آل عمران / 97.
(4) سورة البقرة / 196.
(5) حديث: " تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له " أخرجه أحمد (1 / 314 - ط الميمنية) والحاكم (1 / 448 - ط دائرة المعارف العثمانية) بلفظ مقارب من حديث ابن عباس، وصححه ووافقه الذهبي.
الْمُسْتَقْبَل، وَأَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ السَّلاَمَةُ إِلَى وَقْتِ فِعْلِهِ. (1)
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ فَرِيضَةَ الْحَجِّ نَزَلَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ سَنَةَ سِتٍّ، وَفَتَحَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَانْصَرَفَ عَنْهَا فِي شَوَّالٍ مِنْ سَنَتِهِ.
وَحَجَّ النَّاسُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقِيمٌ بِالْمَدِينَةِ هُوَ وَأَزْوَاجُهُ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ فِي سَنَةِ تِسْعٍ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ لِلْحَجِّ، وَالنَّبِيُّ مَعَ عَامَّةِ أَصْحَابِهِ فِي الْمَدِينَةِ، وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى الْحَجِّ غَيْرُ مُشْتَغِلِينَ بِقِتَالٍ وَلاَ غَيْرِهِ.
ثُمَّ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ حَجَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَدَل عَلَى جَوَازِ التَّأْخِيرِ. (2)

تَأْخِيرُ رَمْيِ الْجِمَارِ:
14 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَخَّرَ الرَّمْيَ حَتَّى غُرُوبِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، عَلَيْهِ دَمٌ. (3)
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ أَخَّرَهُ حَتَّى غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْهَا.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الرَّمْيَ فِيمَا قَبْل الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَرْمِي فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي تَلِي ذَلِكَ الْيَوْمَ
__________
(1) ابن عابدين 2 / 140، والحطاب 2 / 471، 472، ومغني المحتاج1 / 461.
(2) المجموع 7 / 103 - 104.
(3) ابن عابدين 2 / 185، والدسوقي 2 / 45، ومغني المحتاج 1 / 508، وكشاف القناع 2 / 508 وما بعدها.

الصفحة 11