كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 11)

عَنْهُ مَا لَوْ طَافَ نَفْلاً بَعْدَ إِرَادَةِ السَّفَرِ، فَإِنْ سَافَرَ وَلَمْ يَكُنْ فَعَل ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِتَدَارُكِهِ مَا لَمْ يُجَاوِزِ الْمِيقَاتَ، فَيُخَيَّرُ بَيْنَ إِرَاقَةِ الدَّمِ وَبَيْنَ الرُّجُوعِ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ بِعُمْرَةٍ، فَيَبْتَدِئُ بِطَوَافِهَا ثُمَّ بِطَوَافِ الْوَدَاعِ، فَإِنْ فَعَل ذَلِكَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِهِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: طَوَافُ الْوَدَاعِ مَنْدُوبٌ، فَلَوْ تَرَكَهُ وَخَرَجَ، أَوْ طَافَهُ طَوَافًا بَاطِلاً يَرْجِعُ لِتَدَارُكِهِ مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ رُفْقَتِهِ الَّذِينَ يَسِيرُ بِسَيْرِهِمْ، أَوْ خَافَ مَنْعًا مِنَ الْكِرَاءِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. (1)
تَدَارُكُ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ لِلْعِبَادَاتِ: أَوَّلاً - بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلاَةِ:
27 - لاَ تَدَارُكَ لِمَا فَاتَ مِنْ صَلاَةٍ حَال الْجُنُونِ أَوِ الإِْغْمَاءِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ لِعَدَمِ الأَْهْلِيَّةِ وَقْتَ الْوُجُوبِ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَشِبَّ، وَعَنِ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَعْقِل (2) .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِنْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ خَمْسَ
__________
(1) حاشية ابن عابدين على الدر المختار 2 / 186، والشرح الكبير والدسوقي عليه 2 / 53.
(2) حديث: " رفع القلم عن ثلاثة. . . " أخرجه أحمد (1 / 116 ط الميمنية) والحاكم (4 / 389 ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال الذهبي: فيه إرسال. ولكن له شاهد من حديث عائشة، أخرجه أبو داود (4 / 558 - ط عزت عبيد دعاس) والحاكم (2 / 59) وصححه ووافقه الذهبي.
صَلَوَاتٍ - أَوْ سِتًّا عَلَى قَوْل مُحَمَّدٍ - قَضَاهَا، وَإِنْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ نَفْيًا لِلْحَرَجِ، وَقَال بِشْرٌ: الإِْغْمَاءُ لَيْسَ بِمُسْقِطٍ، وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ طَالَتْ مُدَّةُ الإِْغْمَاءِ.
وَفَرَّقَ الْحَنَابِلَةُ بَيْنَ الْجُنُونِ وَالإِْغْمَاءِ، فَلَمْ يُوجِبُوا الْقَضَاءَ عَلَى مَا فَاتَ حَال الْجُنُونِ، وَأَوْجَبُوهُ فِيمَا فَاتَ حَال الإِْغْمَاءِ؛ لأَِنَّ الإِْغْمَاءَ لاَ تَطُول مُدَّتُهُ غَالِبًا، وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ عَمَّارًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ثَلاَثًا، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَال: هَل صَلَّيْتُ؟ قَالُوا: مَا صَلَّيْتَ مُنْذُ ثَلاَثٍ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى تِلْكَ الثَّلاَثَ. وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا نَحْوُهُ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ، فَكَانَ كَالإِْجْمَاعِ.
28 - وَمَنْ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنَ الْوَقْتِ وَهُوَ أَهْلٌ ثُمَّ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ مَا أَدْرَكَهُ لاَ يَسَعُ الْفَرْضَ فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. وَإِنْ كَانَ مَا أَدْرَكَهُ يَسَعُ الْفَرْضَ فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لاَ يَجِبُ الْقَضَاءُ؛ لأَِنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَيَّنُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ إِذَا لَمْ يُوجَدِ الأَْدَاءُ قَبْلَهُ، فَيَسْتَدْعِيَ الأَْهْلِيَّةَ فِيهِ لاِسْتِحَالَةِ الإِْيجَابِ عَلَى غَيْرِ الأَْهْل، وَلَمْ يُوجَدْ، فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَهُوَ أَيْضًا رَأْيُ الْمَالِكِيَّةِ خِلاَفًا لِبَعْضِ أَهْل الْمَدِينَةِ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، حَيْثُ الْقَضَاءُ عِنْدَهُمْ أَحْوَطُ.

الصفحة 110