كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 11)

النَّاسِ، أَقُول: ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ أَوْ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ، وَلَكِنْ أَعْجَبُ مِنْ عِلْمِكِ بِالطِّبِّ، كَيْفَ هُوَ؟ وَمِنْ أَيْنَ هُوَ؟ قَال: فَضَرَبَتْ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، وَقَالَتْ: " أَيْ عُرَيَّةُ؟ إِنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْقَمُ عِنْدَ آخِرِ عُمْرِهِ، وَكَانَتْ تَقْدَمُ عَلَيْهِ وُفُودُ الْعَرَبِ مِنْ كُل وَجْهٍ، فَكَانَتْ تَنْعَتُ لَهُ الأَْنْعَاتَ، وَكُنْتُ أُعَالِجُهَا لَهُ، فَمِنْ ثَمَّ عَلِمْتُ ".
وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثُرَتْ أَسَقَامُهُ، فَكَانَ يَقْدَمُ عَلَيْهِ أَطِبَّاءُ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، فَيَصِفُونَ لَهُ فَنُعَالِجُهُ (1) .
وَقَال الرَّبِيعُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُول: الْعِلْمُ عِلْمَانِ: عِلْمُ الأَْدْيَانِ وَعِلْمُ الأَْبْدَانِ. (2)
6 - وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ) إِلَى أَنَّ التَّدَاوِيَ مُبَاحٌ، غَيْرَ أَنَّ عِبَارَةَ الْمَالِكِيَّةِ: لاَ بَأْسَ بِالتَّدَاوِي.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى اسْتِحْبَابِهِ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ أَنْزَل الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ، وَجَعَل
__________
(1) حديث عروة مع عائشة: أخرجه أحمد (6 / 67 - ط الميمنية) وقال الهيثمي في المجمع (9 / 242 - ط القدس) فيه عبد الله بن معاوية الزبيري، قال أبو حاتم: مستقيم الحديث، وفيه ضعف.
(2) الفواكه الدواني 2 / 439، وروضة الطالبين 2 / 96، والإقناع للشربيني الخطيب 1 / 193، والمغني لابن قدامة 5 / 539، وزاد المعاد 3 / 66 وما بعدها ط مصطفى الحلبي، والآداب الشرعية 2 / 365، وما بعدها، وتحفة الأحوذي 6 / 190 ط الفجالة الجديدة.
لِكُل دَاءٍ دَوَاءً فَتَدَاوَوْا، وَلاَ تَتَدَاوَوْا بِالْحَرَامِ (1) .
وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ، وَاَلَّتِي فِيهَا الأَْمْرُ بِالتَّدَاوِي. قَالُوا: وَاحْتِجَامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَدَاوِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّدَاوِي. وَمَحَل الاِسْتِحْبَابِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَطْعِ بِإِفَادَتِهِ. أَمَّا لَوْ قَطَعَ بِإِفَادَتِهِ كَعَصْبِ مَحَل الْفَصْدِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ.
وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ تَرْكَهُ أَفْضَل، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، قَالُوا: لأَِنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى التَّوَكُّل. (2)
قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: فِي الأَْحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الأَْمْرُ بِالتَّدَاوِي، وَأَنَّهُ لاَ يُنَافِي التَّوَكُّل، كَمَا لاَ يُنَافِيهِ دَفْعُ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ بِأَضْدَادِهَا، بَل لاَ تَتِمُّ حَقِيقَةُ التَّوْحِيدِ إِلاَّ بِمُبَاشَرَةِ الأَْسْبَابِ الَّتِي نَصَبَهَا اللَّهُ مُقْتَضِيَاتٍ لِمُسَبَّبَاتِهَا قَدَرًا وَشَرْعًا، وَأَنَّ تَعْطِيلَهَا يَقْدَحُ فِي نَفْسِ التَّوَكُّل، كَمَا يَقْدَحُ فِي الأَْمْرِ وَالْحِكْمَةِ، وَيُضْعِفُهُ مِنْ حَيْثُ يَظُنُّ مُعَطِّلُهَا أَنَّ تَرْكَهَا أَقْوَى فِي التَّوَكُّل، فَإِنَّ تَرْكَهَا عَجْزٌ يُنَافِي التَّوَكُّل الَّذِي حَقِيقَتُهُ اعْتِمَادُ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ فِي حُصُول مَا يَنْفَعُ
__________
(1) حديث: " إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء " تقدم تخريجه (ف 5) .
(2) ابن عابدين 5 / 215، 249، والهداية تكملة فتح القدير 8 / 134، والفواكه الدواني 2 / 440، وروضة الطالبين 2 / 96، وكشاف القناع 2 / 76، والإنصاف 2 / 463، والآداب الشرعية 2 / 359 وما بعدها، وحاشية الجمل 2 / 134.

الصفحة 117