كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 11)

الْعَبْدَ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَدَفْعِ مَا يَضُرُّهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَلاَ بُدَّ مَعَ هَذَا الاِعْتِمَادِ مِنْ مُبَاشَرَةِ الأَْسْبَابِ، وَإِلاَّ كَانَ مُعَطِّلاً لِلْحِكْمَةِ وَالشَّرْعِ، فَلاَ يَجْعَل الْعَبْدُ عَجْزَهُ تَوَكُّلاً، وَلاَ تَوَكُّلُهُ عَجْزًا (1) .

أَنْوَاعُ التَّدَاوِي:
7 - التَّدَاوِي قَدْ يَكُونُ بِالْفِعْل أَوْ بِالتَّرْكِ، فَالتَّدَاوِي بِالْفِعْل: يَكُونُ بِتَنَاوُل الأَْغْذِيَةِ الْمُلاَئِمَةِ لِحَال الْمَرِيضِ، وَتَعَاطِي الأَْدْوِيَةِ وَالْعَقَاقِيرِ، وَيَكُونُ بِالْفَصْدِ وَالْكَيِّ وَالْحِجَامَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْعَمَلِيَّاتِ الْجِرَاحِيَّةِ.
فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَرْفُوعًا الشِّفَاءُ فِي ثَلاَثَةٍ: فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ، وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ (2) وَفِي رِوَايَةٍ وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ (3) . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا خَيْرُ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ السَّعُوطُ، وَاللَّدُودُ، وَالْحِجَامَةُ، وَالْمَشْيُ (4) وَإِنَّمَا كَرِهَ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَيَّ لِمَا فِيهِ مِنَ الأَْلَمِ الشَّدِيدِ وَالْخَطَرِ الْعَظِيمِ، وَلِهَذَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَقُول فِي أَمْثَالِهَا "
__________
(1) زاد المعاد 4 / 15 ط الرسالة.
(2) حديث: " الشفاء في ثلاثة: في شرطة محجم أو شربة عسل. . . " أخرجه البخاري (الفتح 10 / 137 - ط السلفية) .
(3) حديث: " وما أحب أن أكتوي ". أخرجه مسلم (4 / 1430 - ط الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله.
(4) حديث: " خير ما تداويتم به السعوط. . . " أخرجه الترمذي (4 / 388 - ط الحلبي) وإسناده ضعيف. (ميزان الاعتدال للذهبي 2 / 376 - ط الحلبي) .
آخِرُ الدَّوَاءِ الْكَيُّ " وَقَدْ كَوَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ وَغَيْرَهُ، وَاكْتَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَدَل عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ لَيْسَ الْمَنْعُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْهُ التَّنْفِيرُ عَنِ الْكَيِّ إِذَا قَامَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ.
قَال ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ: وَلَمْ يُرِدِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَصْرَ فِي الثَّلاَثَةِ، فَإِنَّ الشِّفَاءَ قَدْ يَكُونُ فِي غَيْرِهَا، وَإِنَّمَا نَبَّهَ بِهَا عَلَى أُصُول الْعِلاَجِ.
وَأَمَّا التَّدَاوِي بِالتَّرْكِ: فَيَكُونُ بِالْحِمْيَةِ، وَذَلِكَ بِالاِمْتِنَاعِ عَنْ كُل مَا يُزِيدُ الْمَرَضَ أَوْ يَجْلِبُهُ إِلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ بِالاِمْتِنَاعِ عَنْ أَطْعِمَةٍ وَأَشْرِبَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوِ الاِمْتِنَاعِ عَنِ الدَّوَاءِ نَفْسِهِ إِذَا كَانَ يَزِيدُ مِنْ حِدَّةِ الْمَرَضِ. لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَأْكُل مِنَ الدَّوَالِي إِنَّك نَاقِهٌ (1) .

التَّدَاوِي بِالنَّجَسِ وَالْمُحَرَّمِ:
8 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ وَالنَّجَسِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَل شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ (2)
__________
(1) حديث: " إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم " أخرجه البخاري (الفتح 10 / 78 - ط السلفية) معلقا، ووصله الإمام أحمد من قول ابن مسعود موقوفا عليه في كتاب الأشربة (ص 63 ط وزارة الأوقاف العراقية) وصححه ابن حجر في الفتح (10 / 79 - ط السلفية) .

الصفحة 118