كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 11)

وَتَقْوِيَةٌ لِلْكُفَّارِ، وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (جِهَادٌ) . (1)

ب - الإِْجْهَازُ عَلَى جَرِيحِ الْبُغَاةِ:
3 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ جَرْحَى الْبُغَاةِ بَعْدَ انْهِزَامِهِمْ أَمَامَ الْمُسْلِمِينَ وَتَوَلِّيهِمْ. فَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَتْل مُدْبِرِهِمْ وَالإِْجْهَازُ عَلَى جَرِيحِهِمْ؛ لِئَلاَّ يَنْحَازُوا إِلَى هَذِهِ الْفِئَةِ؛ لاِحْتِمَال أَنْ يَتَجَمَّعُوا وَيُثِيرُوا الْفِتْنَةَ تَارَةً أُخْرَى، فَيَكُرُّوا عَلَى أَهْل الإِْسْلاَمِ، وَقَتْلِهِمْ إِذَا كَانَ لَهُمْ فِئَةٌ لاَ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ دَفْعًا؛ لأَِنَّهُ لَوْ لَمْ يُذَفَّفْ عَلَيْهِمْ يَتَحَيَّزُونَ إِلَى الْفِئَةِ، وَيَعُودُ شَرُّهُمْ كَمَا كَانَ، (2) وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ قَائِمَةٌ يَحْرُمُ قَتْل جَرْحَى الْبُغَاةِ. وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ قَوْل عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْجَمَل: لاَ تَتَّبِعُوا مُدْبِرًا، وَلاَ تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ، وَلاَ تَقْتُلُوا أَسِيرًا، وَإِيَّاكُمْ وَالنِّسَاءَ وَإِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ وَسَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ. وَقَدْ حَمَلَهُ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى مَا إِذَا لَمْ تَكُنْ لِلْبُغَاةِ فِئَةٌ. (3) وَنَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ جَرِيحَ الْبُغَاةِ وَمُدْبِرَهُمْ يَخْتَارُ الإِْمَامُ
__________
(1) المغني لابن قدامة 1 / 377، والسياسة الشرعية لإصلاح الراعي والرعية لابن تيمية ص 193 ط الثانية، ونهاية المحتاج 8 / 65 ط الجهاد، وكشاف القناع 3 / 50.
(2) البدائع 7 / 140، 141، وفتح القدير 4 / 411.
(3) فتح القدير 4 / 412 ط بولاق.
مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ، تَارِكًا هَوَى النَّفْسِ وَالتَّشَفِّي، وَإِنْ وُجِدَتِ الْفِئَةُ. (1)
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ فِي جَرْحَى الْبُغَاةِ يَعْتَمِدُ عَلَى مَدَى تَيَقُّنِ الإِْمَامِ مِنَ الْتِحَاقِهِمْ بِالْبُغَاةِ، أَوْ رُجُوعِهِمْ إِلَى الطَّاعَةِ، فَإِنْ أَمِنَ الإِْمَامُ بَغْيَهُمْ لاَ يَجُوزُ لَهُ اتِّبَاعُ مُنْهَزِمِهِمْ، وَلاَ التَّذْفِيفُ عَلَى جَرِيحِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَأْمَنِ الإِْمَامُ بَغْيَهُمُ اتَّبَعَ مُنْهَزِمَهُمْ، وَذَفَّفَ عَلَى جَرِيحِهِمْ، حَسَبَ مُقْتَضَيَاتِ مَصْلَحَةِ الْحَرْبِ لِحُصُول الْمَقْصُودِ. (2)
وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْمَالِكِيَّةُ وُجُودَ الْفِئَةِ الَّتِي يُحْتَمَل التَّحَيُّزُ إِلَيْهَا؛ لأَِنَّ الْمَصْلَحَةَ هِيَ الأَْسَاسُ عِنْدَهُمْ. (3) وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (بُغَاةٌ) .
وَالشَّافِعِيَّةُ قَالُوا: إِذَا كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ بَعِيدَةٌ يَنْحَازُونَ إِلَيْهَا، وَلاَ يَتَوَقَّعُ فِي الْعَادَةِ مَجِيئُهَا إِلَيْهِمْ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ، أَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ عَدَمُ وُصُولِهَا إِلَيْهِمْ، لاَ يُجْهَزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ لأَِمْنِ غَائِلَتِهِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ. وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ قَرِيبَةٌ تُسْعِفُهُمْ عَادَةً، وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ اتِّبَاعُهُمْ وَالتَّذْفِيفُ عَلَى جَرِيحِهِمْ. (4)
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ أَهْل الْبَغْيِ إِذَا تَرَكُوا الْقِتَال بِالرُّجُوعِ إِلَى الطَّاعَةِ، أَوْ بِإِلْقَاءِ السِّلاَحِ،
__________
(1) حاشية رد المحتار 4 / 265.
(2) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4 / 299، 300 ط عيسى الحلبي بمصر.
(3) الشرح الصغير للدردير 4 / 429.
(4) نهاية المحتاج 7 / 386، 387، والمهذب 2 / 221 ط دار المعرفة / بيروت - لبنان.

الصفحة 133