كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 11)

هَذَا، وَقَدْ بَيَّنَ الْفُقَهَاءُ حُكْمَ وَأَهَمِّيَّةَ التَّرْتِيبِ فِي مَبَاحِثِ الْعِبَادَاتِ مِنَ: الطَّهَارَةِ، وَأَرْكَانِ الصَّلاَةِ، وَنُسُكِ الْحَجِّ، وَالْكَفَّارَاتِ فِي النُّذُورِ وَالأَْيْمَانِ وَنَحْوِهَا. وَاتَّفَقُوا عَلَى فَرْضِيَّةِ التَّرْتِيبِ فِي بَعْضِ الْعِبَادَاتِ، كَالتَّرْتِيبِ فِي أَرْكَانِ الصَّلاَةِ مِنَ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَاخْتَلَفُوا فِي بَعْضِهَا، نَذْكُرُ مِنْهَا مَا يَلِي:

أ - التَّرْتِيبُ فِي الْوُضُوءِ:
4 - التَّرْتِيبُ فِي أَعْمَال الْوُضُوءِ فَرْضٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لأَِنَّهَا وَرَدَتْ فِي الآْيَةِ مُرَتَّبَةً، قَال اللَّهُ تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (1) لأَِنَّ إِدْخَال الْمَمْسُوحِ (أَيِ الرَّأْسِ) بَيْنَ الْمَغْسُولاَتِ (أَيِ الأَْيْدِي وَالأَْرْجُل) قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ التَّرْتِيبُ، فَالْعَرَبُ لاَ تَقْطَعُ النَّظِيرَ عَنِ النَّظِيرِ إِلاَّ لِفَائِدَةٍ، وَالْفَائِدَةُ هَاهُنَا التَّرْتِيبُ. (2)
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ (3) إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ، بَل هُوَ سُنَّةٌ عِنْدَهُمْ؛ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِغَسْل الأَْعْضَاءِ، وَعَطَفَ
__________
(1) سورة المائدة / 6.
(2) القليوبي 1 / 50، والمغني لابن قدامة 1 / 137.
(3) ابن عابدين 1 / 83، وجواهر الإكليل 1 / 16.
بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ بِوَاوِ الْجَمْعِ، وَهِيَ لاَ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَال: مَا أُبَالِي بِأَيِّ أَعْضَائِي بَدَأْتُ (1) .
وَالتَّرْتِيبُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي عُضْوَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَإِنْ كَانَا فِي حُكْمِ الْعُضْوِ الْوَاحِدِ لَمْ يَجِبْ، وَلِهَذَا لاَ يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى فِي الْوُضُوءِ اتِّفَاقًا (2) . وَلَكِنْ يُسَنُّ، لأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ (3) .

ب - التَّرْتِيبُ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ:
5 - جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ قَالُوا بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَةِ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّلاَةِ الْوَقْتِيَّةِ إِذَا اتَّسَعَ الْوَقْتُ. فَمَنْ فَاتَتْهُ صَلاَةٌ أَوْ صَلَوَاتٌ وَهُوَ فِي وَقْتِ أُخْرَى، فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِقَضَاءِ الْفَوَائِتِ مُرَتَّبَةً، ثُمَّ يُؤَدِّيَ الصَّلاَةَ الْوَقْتِيَّةَ، إِلاَّ إِذَا كَانَ الْوَقْتُ ضَيِّقًا لاَ يَتَّسِعُ لأَِكْثَرَ مِنَ الْحَاضِرَةِ فَيُقَدِّمُهَا، ثُمَّ يَقْضِي الْفَوَائِتَ عَلَى التَّرْتِيبِ.
__________
(1) ابن عابدين 1 / 83، والدسوقي 1 / 99.
(2) المنثور للزركشي 1 / 277، 279، والمراجع السابقة.
(3) حديث: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيامن ". أخرجه البخاري (الفتح 1 / 269 - ط السلفية) ومسلم (1 / 226 - ط الحلبي) .

الصفحة 164