كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 11)

وَعَلَى هَذَا الْخِلاَفِ: الْخُطْبَةُ وَأَذْكَارُ الصَّلاَةِ، كَمَا لَوْ سَبَّحَ بِالْفَارِسِيَّةِ فِي الصَّلاَةِ، أَوْ أَثْنَى عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ تَعَوَّذَ، أَوْ هَلَّل، أَوْ تَشَهَّدَ، أَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصِحُّ عِنْدَهُ، وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فَشَرَطَا الْعَجْزَ وَذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: أَنَّهُ لَوْ كَبَّرَ الشَّخْصُ بِالْفَارِسِيَّةِ، أَوْ سَمَّى عِنْدَ الذَّبْحِ، أَوْ لَبَّى عِنْدَ الإِْحْرَامِ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ بِأَيِّ لِسَانٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَمْ لاَ، جَازَ بِالاِتِّفَاقِ بَيْنَ الإِْمَامِ وَصَاحِبَيْهِ، وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ الصَّاحِبَيْنِ رَجَعَا إِلَى قَوْل الإِْمَامِ فِي جَوَازِ التَّكْبِيرِ وَالأَْذْكَارِ مُطْلَقًا، كَمَا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ إِلَى قَوْلِهِمَا فِي عَدَمِ جَوَازِ الْقِرَاءَةِ بِالْعَجَمِيَّةِ إِلاَّ عِنْدَ الْعَجْزِ (1) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ إِنْ عَجَزَ عَنِ التَّكْبِيرِ بِالْعَرَبِيَّةِ سَقَطَ، وَلاَ يَجُوزُ بِغَيْرِهَا، وَيَكْفِيهِ نِيَّتُهُ كَالأَْخْرَسِ، فَإِنْ أَتَى الْعَاجِزُ عَنْهُ بِمُرَادِفِهِ مِنْ لُغَةٍ أُخْرَى لَمْ تَبْطُل، قِيَاسًا عَلَى الدُّعَاءِ بِالْعَجَمِيَّةِ وَلَوْ لِلْقَادِرِ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ.
وَعِنْدَ بَعْضِ شُيُوخِ الْقَاضِي عِيَاضٍ: يَجُوزُ الإِْتْيَانُ بِالتَّكْبِيرِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، وَأَمَّا الْخُطْبَةُ فَلاَ تَجُوزُ عِنْدَهُمْ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ وَلَوْ كَانَ الْجَمَاعَةُ عَجَمًا لاَ يَعْرِفُونَ الْعَرَبِيَّةَ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مَنْ يُحْسِنُ الإِْتْيَانَ بِالْخُطْبَةِ عَرَبِيَّةً لَمْ تَلْزَمْهُمْ جُمُعَةٌ. (2)
__________
(1) ابن عابدين 1 / 325، وبدائع الصنائع 1 / 113.
(2) مواهب الجليل 1 / 515، وحاشية الدسوقي 1 / 233 و 1 / 378.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّكْبِيرِ بِالْعَجَمِيَّةِ إِذَا أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي (1) وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُكَبِّرُ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَأَيْضًا قَال لِلْمُسِيءِ فِي صَلاَتِهِ: إِذَا قُمْتَ لِلصَّلاَةِ فَكَبِّرْ. . (2) وَلأَِنَّهُ لَمْ يُنْقَل عَنْهُ الْعُدُول عَنْ ذَلِكَ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا. هَذَا إِذَا أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ، أَمَّا إِنْ لَمْ يُحْسِنِ الْعَرَبِيَّةَ لَزِمَهُ تَعَلُّمُ التَّكْبِيرِ بِهَا إِنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ مُتَّسَعٌ، وَإِلاَّ كَبَّرَ بِلُغَتِهِ. وَكَذَلِكَ التَّشَهُّدُ الأَْخِيرُ وَالصَّلاَةُ عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجُوزَانِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ عِنْدَهُمْ لِلْعَاجِزِ عَنْهَا، وَلاَ يَجُوزُ لِلْقَادِرِ (3) .
وَأَمَّا خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ مِنَ الْمَذْهَبِ إِلَى: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، وَلَمْ يُمْكِنْ تَعَلُّمُهَا، خَطَبَ بِغَيْرِهَا، فَإِنِ انْقَضَتْ مُدَّةُ إِمْكَانِ التَّعَلُّمِ - وَلَمْ يَتَعَلَّمُوا - عَصَوْا كُلُّهُمْ وَلاَ جُمُعَةَ لَهُمْ (4) .
__________
(1) حديث: " صلوا كما رأيتموني أصلي ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 111 - ط السلفية) .
(2) حديث: " إذا قمت للصلاة فكبر " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 277 - ط السلفية) ومسلم (1 / 298 - ط الحلبي) .
(3) المجموع 3 / 299، 301، ونهاية المحتاج 1 / 462، وروضة الطالبين 1 / 221، 226، والقليوبي 1 / 143، 151، 168، والمغني 1 / 545، وكشاف القناع 2 / 34.
(4) روضة الطالبين 2 / 26، والجمل على شرح المنهج 2 / 27، والمنثور للزركشي 1 / 282.

الصفحة 171