كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 11)

ذَكَرَهَا اسْتِقْلاَلاً: كَأَنْ يَقُول الْمُتَكَلِّمُ: قَال النَّبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَبِالْجَوَازِ إِنْ ذَكَرَهَا تَبَعًا: أَيْ مَضْمُومَةً إِلَى الصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ، فَيَجُوزُ: اللَّهُمَّ صَل عَلَى مُحَمَّدٍ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا.
وَلاَ يَجُوزُ: ارْحَمْ مُحَمَّدًا، بِدُونِ الصَّلاَةِ؛ لأَِنَّهَا وَرَدَتْ فِي الأَْحَادِيثِ الَّتِي وَرَدَتْ فِيهَا عَلَى سَبِيل التَّبَعِيَّةِ لِلصَّلاَةِ وَالْبَرَكَةِ، وَلَمْ يَرِدْ مَا يَدُل عَلَى وُقُوعِهَا مُفْرَدَةً، وَرُبَّ شَيْءٍ يَجُوزُ تَبَعًا، لاَ اسْتِقْلاَلاً. وَبِهِ أَخَذَ جَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، بَل نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنِ الْجُمْهُورِ، وَقَال الْقُرْطُبِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ (1) .

د - التَّرَحُّمُ عَلَى الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الأَْخْيَارِ:
8 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ التَّرَحُّمِ عَلَى الصَّحَابَةِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ عِنْدَ ذِكْرِ الصَّحَابَةِ الأَْوْلَى أَنْ يُقَال: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَأَمَّا عِنْدَ ذِكْرِ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَالْعُبَّادِ، وَسَائِرِ الأَْخْيَارِ فَيُقَال: رَحِمَهُمُ اللَّهُ.
قَال الزَّيْلَعِيُّ: الأَْوْلَى أَنْ يَدْعُوَ لِلصَّحَابَةِ بِالرِّضَى، وَلِلتَّابِعَيْنِ بِالرَّحْمَةِ، وَلِمَنْ بَعْدَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ وَالتَّجَاوُزِ؛ لأَِنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُبَالِغُونَ فِي طَلَبِ الرِّضَى مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَجْتَهِدُونَ فِي
__________
(1) ابن عابدين 1 / 344، 345، 5 / 480، والطحطاوي 1 / 226، والقليوبي 3 / 675، ونهاية المحتاج 1 / 531.
فِعْل مَا يُرْضِيهِ، وَيَرْضَوْنَ بِمَا يَلْحَقُهُمْ مِنَ الاِبْتِلاَءِ مِنْ جِهَتِهِ أَشَدَّ الرِّضَى، فَهَؤُلاَءِ أَحَقُّ بِالرِّضَى، وَغَيْرُهُمْ لاَ يَلْحَقُ أَدْنَاهُمْ وَلَوْ أَنْفَقَ مِلْءَ الأَْرْضِ ذَهَبًا.
وَذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ الْقَرْمَانِيِّ عَلَى الرَّاجِحِ عِنْدَهُ: أَنَّهُ يَجُوزُ عَكْسُهُ أَيْضًا، وَهُوَ التَّرَحُّمُ لِلصَّحَابَةِ، وَالتَّرَضِّي لِلتَّابِعَيْنِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ (1) .
وَإِلَيْهِ مَال النَّوَوِيُّ فِي الأَْذْكَارِ، وَقَال: يُسْتَحَبُّ التَّرَضِّي وَالتَّرَحُّمُ عَلَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْعُبَّادِ وَسَائِرِ الأَْخْيَارِ. فَيُقَال: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَوْ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ قَوْلَهُ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَخْصُوصٌ بِالصَّحَابَةِ، وَيُقَال فِي غَيْرِهِمْ: رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَطْ فَلَيْسَ كَمَا قَال، وَلاَ يُوَافَقُ عَلَيْهِ، بَل الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ اسْتِحْبَابُهُ، وَدَلاَئِلُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ. وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ نَقْلاً عَنِ الْمَجْمُوعِ: أَنَّ اخْتِصَاصَ التَّرَضِّي بِالصَّحَابَةِ وَالتَّرَحُّمِ بِغَيْرِهِمْ ضَعِيفٌ (2) .

هـ - التَّرَحُّمُ عَلَى الْوَالِدَيْنِ:
9 - الأَْصْل فِي وُجُوبِ التَّرَحُّمِ عَلَى الْوَالِدَيْنِ
__________
(1) ابن عابدين 5 / 480.
(2) ابن عابدين 5 / 480، ونهاية المحتاج 1 / 48، و 3 / 69، والأذكار 1 / 109، وتدريب الراوي ص 293.

الصفحة 185