كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 11)

بِفِعْل الْمُكَلَّفِ هُوَ أَحَدُ أَقْسَامِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ.
وَاقْتِضَاءُ التَّرْكِ لِشَيْءٍ إِنْ كَانَ جَازِمًا فَهُوَ لِلتَّحْرِيمِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ جَازِمٍ فَهُوَ لِلْكَرَاهَةِ، وَإِنْ كَانَ مُسَاوِيًا لاِقْتِضَاءِ الْفِعْل فِي الْخِطَابِ فَهُوَ لِلإِْبَاحَةِ (1) .
وَانْظُرِ الْمُلْحَقَ الأُْصُولِيَّ.

ب - التَّرْكُ فِعْلٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّكْلِيفُ:
6 - يَتَعَلَّقُ التَّكْلِيفُ بِالتَّرْكِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ؛ إِذِ الْمُكَلَّفُ بِهِ فِي النَّهْيِ الْمُقْتَضِي لِلتَّرْكِ هُوَ الْكَفُّ، أَيْ كَفُّ النَّفْسِ عَنِ الْفِعْل إِذَا أَقْبَلَتْ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ فِعْلٌ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَتِ الْقَاعِدَةُ الأُْصُولِيَّةُ (لاَ تَكْلِيفَ إِلاَّ بِفِعْلٍ) وَذَلِكَ مُتَحَقِّقٌ فِي الأَْمْرِ، وَفِي النَّهْيِ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّ مُقْتَضَاهُ وَهُوَ التَّرْكُ فِعْلٌ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ الأُْصُولِيِّينَ. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ التَّرْكَ مِنْ مُقْتَضَى النَّهْيِ، وَالنَّهْيُ تَكْلِيفٌ، وَالتَّكْلِيفُ إِنَّمَا يَرِدُ بِمَا كَانَ مَقْدُورًا لِلْمُكَلَّفِ، وَالْعَدَمُ الأَْصْلِيُّ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا؛ لأَِنَّ الْقُدْرَةَ لاَ بُدَّ لَهَا مِنْ أَثَرٍ وُجُودِيٍّ، وَالْعَدَمُ نَفْيٌ مَحْضٌ، فَيُمْتَنَعُ إِسْنَادُهُ إِلَيْهَا. وَلأَِنَّ الْعَدَمَ الأَْصْلِيَّ - أَيِ الْمُسْتَمِرَّ - حَاصِلٌ، وَالْحَاصِل لاَ يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ ثَانِيًا، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ مُقْتَضَى النَّهْيِ لَيْسَ هُوَ الْعَدَمَ ثَبَتَ أَنَّهُ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ.
__________
(1) جمع الجوامع 1 / 80، والتلويح على التوضيح 1 / 13، والبدخشي والأسنوي 1 / 40.
كَذَلِكَ قَالُوا: إِنَّ مُمْتَثِل التَّكْلِيفِ مُطِيعٌ وَالطَّاعَةُ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلثَّوَابِ، وَلاَ يُثَابُ إِلاَّ عَلَى شَيْءٍ (وَأَلاَّ يَفْعَل) عَدَمٌ مَحْضٌ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَإِذَا لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ شَيْءٌ فَكَيْفَ يُثَابُ عَلَى لاَ شَيْءَ؟ .
وَقَال قَوْمٌ، مِنْهُمْ أَبُو هَاشِمٍ: إِنَّ التَّرْكَ غَيْرُ فِعْلٍ، وَهُوَ انْتِفَاءُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَذَلِكَ مَقْدُورٌ لِلْمُكَلَّفِ بِأَنْ لاَ يَشَاءَ فِعْلَهُ الَّذِي يُوجَدُ بِمَشِيئَتِهِ (1) .
وَانْظُرِ: الْمُلْحَقَ الأُْصُولِيَّ.
هَذَا، وَالْخُرُوجُ عَنِ الْعُهْدَةِ لاَ يُشْتَرَطُ لَهُ قَصْدُ التَّرْكِ امْتِثَالاً، بَل يَكْفِي مُجَرَّدُ التَّرْكِ. إِنَّمَا يُشْتَرَطُ قَصْدُ التَّرْكِ امْتِثَالاً لِحُصُول الثَّوَابِ (2) .
لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا الأَْعْمَال بِالنِّيَّاتِ (3) .
وَفِي تَقْرِيرَاتِ الشِّرْبِينِيِّ عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ: فِي التَّكْلِيفِ بِالنَّهْيِ ثَلاَثَةُ أُمُورٍ:
الأَْوَّل: الْمُكَلَّفُ بِهِ، وَهُوَ مُطْلَقُ التَّرْكِ، وَلاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَصْدِ الاِمْتِثَال، بَل مَدَارُهُ عَلَى إِقْبَال النَّفْسِ عَلَى الْفِعْل، ثُمَّ كَفِّهَا عَنْهُ.
__________
(1) الأسنوي 2 / 55، والآمدي 1 / 147، وجمع الجوامع 1 / 213 وما بعدها، وشرح العضد 2 / 13، 14، والمستصفى 1 / 90، والتقرير والتحبير 2 / 81 و 82.
(2) جمع الجوامع 1 / 216، والذخيرة ص 62.
(3) حديث: " إنما الأعمال بالنيات. . . " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 9 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1515 - ط الحلبي) واللفظ للبخاري.

الصفحة 199