كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 11)

الْمَسْأَلَةِ، وَصُورَتُهَا: أَنْ يُفْسِدَ رَجُلٌ زَوْجَةَ رَجُلٍ آخَرَ، بِحَيْثُ يُؤَدِّي ذَلِكَ الإِْفْسَادُ إِلَى طَلاَقِهَا مِنْهُ، ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا ذَلِكَ الْمُفْسِدُ.
فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ النِّكَاحَ يُفْسَخُ قَبْل الدُّخُول وَبَعْدَهُ بِلاَ خِلاَفٍ عِنْدَهُمْ، وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ عِنْدَهُمْ فِي تَأْبِيدِ تَحْرِيمِهَا عَلَى ذَلِكَ الْمُفْسِدِ أَوْ عَدَمِ تَأْبِيدِهِ، فَذَكَرُوا فِيهِ قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ: أَنَّهُ لاَ يَتَأَبَّدُ، فَإِذَا عَادَتْ لِزَوْجِهَا الأَْوَّل وَطَلَّقَهَا، أَوْ مَاتَ عَنْهَا جَازَ لِذَلِكَ الْمُفْسِدِ نِكَاحُهَا.
الثَّانِي: أَنَّ التَّحْرِيمَ يَتَأَبَّدُ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْقَوْل يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ كَمَا جَاءَ فِي شَرْحِ الزَّرْقَانِيِّ، وَأَفْتَى بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي فَاسَ (1) .
هَذَا وَمَعَ أَنَّ غَيْرَ الْمَالِكِيَّةِ مِنَ الْفُقَهَاءِ لَمْ يُصَرِّحُوا بِحُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، إِلاَّ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا وَهُوَ التَّحْرِيمُ مَعْلُومٌ مِمَّا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ.

عُقُوبَةُ الْمُخَبِّبِ:
7 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْمَعْصِيَةَ الَّتِي لاَ حَدَّ فِيهَا وَلاَ كَفَّارَةَ عُقُوبَتُهَا التَّعْزِيرُ بِمَا يَرَاهُ الإِْمَامُ مُنَاسِبًا، وَفِعْل الْمُخَبِّبِ هَذَا لاَ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مَعْصِيَةً لاَ حَدَّ فِيهَا وَلاَ كَفَّارَةَ. (2)
__________
(1) حاشية البناني على الزرقاني 3 / 166 - 167 ط الفكر، وحاشية العدوي على الخرشي 3 / 171 ط دار صادر، والدسوقي 2 / 219 ط دار الفكر
(2) ابن عابدين 3 / 177 ط المصرية، وجواهر الإكليل 2 / 296 دار المعرفة، والدسوقي 4 / 354 ط الفكر، وروضة الطالبين 10 / 174 - 176 ط المكتب الإسلامي، وحاشية قليوبي 4 / 205 - 206 ط الحلبي. والإنصاف 10 / 239 ط التراث، وكشاف القناع 6 / 121 ط النصر
وَقَدْ ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ مَنْ خَدَعَ امْرَأَةَ رَجُلٍ أَوِ ابْنَتَهُ وَهِيَ صَغِيرَةٌ، وَزَوَّجَهَا مِنْ رَجُلٍ، قَال مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَحْبِسُهُ بِهَذَا أَبَدًا حَتَّى يَرُدَّهَا أَوْ يَمُوتَ. وَذَكَرَ ابْنُ نُجَيْمٍ أَنَّ هَذَا الْمُخَادِعَ يُحْبَسُ إِلَى أَنْ يُحْدِثَ تَوْبَةً أَوْ يَمُوتَ؛ لأَِنَّهُ سَاعٍ فِي الأَْرْضِ بِالْفَسَادِ. (1)
وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ فِي (الْقَوَّادَةِ) الَّتِي تُفْسِدُ النِّسَاءَ وَالرِّجَال، أَنَّ أَقَل مَا يَجِبُ عَلَيْهَا الضَّرْبُ الْبَلِيغُ، وَيَنْبَغِي شُهْرَةُ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَسْتَفِيضُ فِي النِّسَاءِ وَالرِّجَال لِتُجْتَنَبَ.
وَإِذَا أُرْكِبَتِ الْقَوَّادَةُ دَابَّةً وَضُمَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، لِيُؤْمَنَ كَشْفُ عَوْرَتِهَا، وَنُودِيَ عَلَيْهَا هَذَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَل كَذَا وَكَذَا (أَيْ يُفْسِدُ النِّسَاءَ وَالرِّجَال) كَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَالِحِ، قَالَهُ الشَّيْخُ (أَيِ ابْنُ قُدَامَةَ) لِيَشْتَهِرَ ذَلِكَ وَيَظْهَرَ. وَقَال: لِوَلِيِّ الأَْمْرِ كَصَاحِبِ الشُّرْطَةِ أَنْ يُعَرِّفَ ضَرَرَهَا، إِمَّا بِحَبْسِهَا أَوْ بِنَقْلِهَا عَنِ الْجِيرَانِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. (2)
__________
(1) الفتاوى الهندية 2 / 170 ط المكتبة الإسلامية، وابن عابدين 3 / 191 ط المصرية، وحاشية الطحطاوي على الدر المختار 2 / 417 ط دار المعرفة، والأشباه لابن نجيم ص 189 ط الهلال
(2) كشاف القناع 6 / 127 - 128 ط النصر

الصفحة 20