كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 11)

نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ (1) .

10 - وَالْحُدُودُ الَّتِي تَكُونُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، كَحَدِّ الزِّنَى وَالسَّرِقَةِ يَجِبُ إِقَامَتُهَا مَتَى بَلَغَتِ الإِْمَامَ.
قَال الْفُقَهَاءُ: الْحَدُّ لاَ يَقْبَل الإِْسْقَاطَ بَعْدَ ثُبُوتِ سَبَبِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ. وَعَلَيْهِ بُنِيَ عَدَمُ جَوَازِ الشَّفَاعَةِ فِيهِ، فَإِنَّهَا طَلَبُ تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَلِذَا أَنْكَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حِينَ شَفَعَ فِي الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَال: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟ . . . (2) وَلأَِنَّ الْحَدَّ بَعْدَ بُلُوغِ الإِْمَامِ يَصِيرُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، فَلاَ يَجُوزُ لِلإِْمَامِ تَرْكُهُ وَلاَ يَجُوزُ لأَِحَدٍ الشَّفَاعَةُ فِي إِسْقَاطِهِ.
11 - أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلتَّعْزِيرِ فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى: أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى وَجَبَ إِقَامَتُهُ كَالْحُدُودِ، إِنْ رَأَى الإِْمَامُ أَنَّهُ لاَ يَنْزَجِرُ إِلاَّ بِهِ، أَوْ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي إِقَامَتِهِ. وَقَال الشَّافِعِيُّ: هُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الإِْمَامِ، إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ (3) .
__________
(1) المنثور 3 / 272، 397، 398. وحديث: " إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه. . . " أخرجه البخاري (الفتح 13 / 251 - ط السلفية) ومسلم (4 / 1830 - ط الحلبي) واللفظ لمسلم.
(2) حديث: " أتشفع في حد من حدود الله. . . " أخرجه البخاري (الفتح 12 / 87 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1315 - ط الحلبي) .
(3) البدائع 7 / 55، 56، وفتح القدير 5 / 4، 113، والفروق للقرافي 4 / 179، والفواكه الدواني 2 / 295، والمهذب 2 / 283، 286، والمغني 8 / 282، 326.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (حَدٌّ - تَعْزِيرٌ) .

12 - وَأَمَّا حَقُّ الْعَبْدِ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا لَهُ فَتَرْكُهُ جَائِزٌ، إِذِ الأَْصْل أَنَّ كُل جَائِزِ التَّصَرُّفِ لاَ يُمْنَعُ مِنْ تَرْكِ حَقِّهِ، مَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ كَتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ، بَل قَدْ يَكُونُ التَّرْكُ مَنْدُوبًا إِذَا كَانَ قُرْبَةً، كَإِبْرَاءِ الْمُعْسِرِ وَالْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ (1) .
هَذَا إِذَا كَانَ الْحَقُّ قِبَل الْغَيْرِ، أَمَّا إِذَا كَانَ قِبَل نَفْسِهِ فَقَدْ يَكُونُ التَّرْكُ حَرَامًا كَمَا إِذَا تَرَكَ الأَْكْل وَالشُّرْبَ حَتَّى هَلَكَ، وَكَمَا إِذَا أُلْقِيَ فِي مَاءٍ يُمْكِنُهُ الْخَلاَصُ مِنْهُ عَادَةً، فَمَكَثَ فِيهِ مُخْتَارًا حَتَّى هَلَكَ (2) .
وَقِيل فِي التَّمَتُّعِ بِأَنْوَاعِ الطَّيِّبَاتِ: إِنَّ التَّرْكَ مِنَ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ. قَال تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} (3) وَقِيل: إِنَّ التَّرْكَ أَفْضَل (4) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} (5) .
__________
(1) الأشباه لابن نجيم ص 257، والمنثور في القواعد 3 / 393، ومنتهى الإرادات 2 / 260، 439.
(2) الاختيار 4 / 172، والفتاوى الهندية 6 / 5، ونهاية المحتاج 7 / 243، ومنتهى الإرادات 3 / 269.
(3) سورة البقرة / 172.
(4) الاختيار 4 / 174، ومغني المحتاج 4 / 310، والاختيارات الفقهية ص 323.
(5) سورة الأحقاف / 10.

الصفحة 202