كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 11)

13 - وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ لِلْغَيْرِ، وَتَرَتَّبَ فِي ذِمَّةِ شَخْصٍ، وَأَصْبَحَ مُلْتَزِمًا بِهِ حِفْظًا أَوْ أَدَاءً، فَإِنَّ تَرْكَ الْحِفْظِ أَوِ الأَْدَاءِ يُعْتَبَرُ مَعْصِيَةً تَسْتَوْجِبُ التَّعْزِيرَ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْحَقَّ لأَِهْلِهِ، مَعَ الضَّمَانِ فِيمَا ضَاعَ أَوْ تَلِفَ.
وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ يَتَعَلَّقُ بِنَفْعِ الْغَيْرِ، لَكِنْ لَمْ يَلْتَزِمْ بِهِ شَخْصٌ، وَكَانَ فِي تَرْكِ الْقِيَامِ بِمَا يُحَقِّقُ النَّفْعَ ضَيَاعُ الْمَال أَوْ تَلَفُهُ، كَمَنْ تَرَكَ الْتِقَاطَ لُقَطَةٍ تَضِيعُ لَوْ تَرَكَهَا، أَوْ تَرَكَ قَبُول وَدِيعَةٍ تَضِيعُ لَوْ لَمْ يَقْبَلْهَا، فَتَلِفَ الْمَال أَوْ ضَاعَ، فَإِنَّهُ يَأْثَمُ بِالتَّرْكِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لِحُرْمَةِ مَال الْغَيْرِ، خِلاَفًا لِلْحَنَابِلَةِ إِذِ الأَْخْذُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْدَهُمْ، بَل هُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ يَخْتَلِفُونَ فِي تَرَتُّبِ الضَّمَانِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلاَفِهِمْ، هَل يُعَدُّ التَّرْكُ فِعْلاً يُكَلَّفُ الإِْنْسَانُ بِمُوجَبِهِ؛ إِذْ لاَ تَكْلِيفَ إِلاَّ بِفِعْلٍ، أَمْ لاَ يُعْتَبَرُ فِعْلاً؟ .
فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَجُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: لاَ ضَمَانَ بِالتَّرْكِ عِنْدَ الضَّيَاعِ أَوِ التَّلَفِ؛ إِذْ التَّرْكُ فِي نَظَرِهِمْ لَيْسَ سَبَبًا وَلاَ تَضْيِيعًا، بَل هُوَ امْتِنَاعٌ مِنْ حِفْظٍ غَيْرِ مُلْزِمٍ؛ وَلأَِنَّ الْمَال إِنَّمَا يُضْمَنُ بِالْيَدِ أَوِ الإِْتْلاَفِ، وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا بِخِلاَفِ مَا إِذَا الْتَقَطَ أَوْ قَبِل الْوَدِيعَةَ وَتَرَكَ الْحِفْظَ حَتَّى ضَاعَ الْمَال أَوْ تَلِفَ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ حِينَئِذٍ لِتَرْكِهِ مَا الْتَزَمَ بِهِ.
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ
الْحَنَفِيَّةِ: تَرَتُّبُ الضَّمَانِ عَلَى التَّرْكِ فِي مِثْل ذَلِكَ. بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّرْكَ فِعْلٌ فِي الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ، بَل إِنَّ الْمَالِكِيَّةَ يُضَمِّنُونَ الصَّبِيَّ فِي تَرْكِ مَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ، فَلَوْ مَرَّ صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ عَلَى صَيْدٍ مَجْرُوحٍ لَمْ يَنْفُذْ مَقْتَلُهُ، وَأَمْكَنَتْهُ ذَكَاتُهُ، فَتَرَكَ تَذْكِيَتَهُ حَتَّى مَاتَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ مَجْرُوحًا لِصَاحِبِهِ؛ لأَِنَّ الضَّمَانَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ؛ وَلأَِنَّ الشَّارِعَ جَعَل التَّرْكَ سَبَبًا فِي الضَّمَانِ، فَيَتَنَاوَل الْبَالِغَ وَغَيْرَهُ (1) .

14 - هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَال، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِتَرْكِ إِنْقَاذِ نَفْسٍ مِنَ الْهَلاَكِ، فَالْمُتَتَبِّعُ لأَِقْوَال الْفُقَهَاءِ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي حَالَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَقُومَ شَخْصٌ بِعَمَلٍ ضَارٍ نَحْوَ شَخْصٍ آخَرَ يُمْكِنُ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَى هَلاَكِهِ غَالِبًا، ثُمَّ يَتْرُكَ مَا يُمْكِنُ بِهِ إِنْقَاذُ هَذَا الشَّخْصِ فَيَهْلِكُ.
وَمِثَال ذَلِكَ: أَنْ يَحْبِسَ غَيْرَهُ فِي مَكَانٍ، وَيَمْنَعَهُ الطَّعَامَ أَوِ الشَّرَابَ، فَيَمُوتَ جُوعًا وَعَطَشًا لِزَمَنٍ يَمُوتُ فِيهِ غَالِبًا، وَكَانَ قَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الطَّلَبُ. فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: يَكُونُ فِيهِ الْقَوَدُ لِظُهُورِ قَصْدِ الإِْهْلاَكِ بِذَلِكَ.
__________
(1) البدائع 6 / 200، وابن عابدين 3 / 318، 319، وحاشية الدسوقي 2 / 110، 111، والحطاب 3 / 224، 225، والخرشي 3 / 20، 21، ونهاية المحتاج 5 / 424 و 6 / 110، والمهذب 1 / 436، ونيل المآرب 1 / 476، والمغني 5 / 694.

الصفحة 203