كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 11)

وَعِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ - أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - يَكُونُ فِي ذَلِكَ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. لأَِنَّ حَبْسَهُ هُوَ الَّذِي تَسَبَّبَ فِي هَلاَكِهِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ الْهَلاَكَ حَصَل بِالْجُوعِ وَالْعَطَشِ لاَ بِالْحَبْسِ، وَلاَ صُنْعَ لأَِحَدٍ فِي الْجُوعِ وَالْعَطَشِ.
فَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهُ الطَّعَامَ أَوِ الشَّرَابَ، بِأَنْ كَانَ مَعَهُ فَلَمْ يَتَنَاوَل خَوْفًا أَوْ حُزْنًا، أَوْ كَانَ يُمْكِنُهُ الطَّلَبُ فَلَمْ يَفْعَل، فَمَاتَ، فَلاَ قِصَاصَ وَلاَ دِيَةَ، لأَِنَّهُ قَتَل نَفْسَهُ (1) .
الْحَال الثَّانِيَةُ: مَنْ أَمْكَنَهُ إِنْقَاذُ إِنْسَانِ مِنَ الْهَلاَكِ، فَلَمْ يَفْعَل حَتَّى مَاتَ.
وَمِثَال ذَلِكَ: مَنْ رَأَى إِنْسَانًا اشْتَدَّ جُوعُهُ. وَعَجَزَ عَنِ الطَّلَبِ، فَامْتَنَعَ مَنْ رَآهُ مِنْ إِعْطَائِهِ فَضْل طَعَامِهِ حَتَّى مَاتَ، أَوْ رَأَى إِنْسَانًا فِي مَهْلَكَةٍ فَلَمْ يُنْجِهِ مِنْهَا، مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ - فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ - عَدَا أَبِي الْخَطَّابِ لاَ ضَمَانَ عَلَى الْمُمْتَنِعِ، لأَِنَّهُ لَمْ يُهْلِكْهُ وَلَمْ يُحْدِثْ فِيهِ فِعْلاً مُهْلِكًا، لَكِنَّهُ يَأْثَمُ. وَهَذَا الْحُكْمُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِذَا كَانَ الْمُضْطَرُّ لَمْ يَطْلُبِ الطَّعَامَ، أَمَّا إِذَا طَلَبَهُ فَمَنَعَهُ رَبُّ الطَّعَامِ حَتَّى مَاتَ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لأَِنَّ
__________
(1) البدائع 7 / 234، وابن عابدين 5 / 349، والدسوقي 4 / 242، والتاج والإكليل بهامش الحطاب 6 / 240، ومغني المحتاج 4 / 5، ونهاية المحتاج 7 / 239، وكشاف القناع 5 / 508، ومنتهى الإرادات 3 / 269، 270.
مَنْعَهُ مِنْهُ كَانَ سَبَبًا فِي هَلاَكِهِ، فَضَمِنَهُ بِفِعْلِهِ الَّذِي تَعَدَّى بِهِ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَأَبِي الْخَطَّابِ يَضْمَنُ، لأَِنَّهُ لَمْ يُنْجِهِ مِنَ الْهَلاَكِ مَعَ إِمْكَانِهِ.
هَذَا وَيُلاَحَظُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ قِتَال مَنْ مَنَعَ مِنْهُ فَضْل طَعَامِهِ، فَإِنْ قُتِل رَبُّ الطَّعَامِ فَدَمُهُ هَدَرٌ، وَإِنْ قُتِل الْمُضْطَرُّ فَفِيهِ الْقِصَاصُ؛ لِقَضَاءِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِذَلِكَ (1) .

عُقُوبَةُ تَرْكِ الْوَاجِبِ:
15 - يَقُول ابْنُ فَرْحُونَ: التَّعْزِيرُ يَكُونُ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَمِنْ ذَلِكَ تَرْكُ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَأَدَاءِ الأَْمَانَاتِ: مِثْل الْوَدَائِعِ وَأَمْوَال الأَْيْتَامِ وَغَلاَّتِ الْوُقُوفِ وَمَا تَحْتَ أَيْدِي الْوُكَلاَءِ وَالْمُقَارِضِينَ، وَالاِمْتِنَاعِ مِنْ رَدِّ الْمَغْصُوبِ وَالْمَظَالِمِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الأَْدَاءِ، وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ إِنْ أَبَاهُ وَلَوْ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ (2) .
وَيَقُول الزَّرْكَشِيُّ: إِذَا امْتَنَعَ الْمُكَلَّفُ مِنَ الْوَاجِبِ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا لآِدَمِيٍّ لاَ تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ حُبِسَ حَتَّى يَفْعَلَهُ. كَمَا إِذَا امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُخَيَّرُ بَيْنَ حَبْسِهِ وَبَيْنَ النِّيَابَةِ عَنْهُ فِي التَّسْلِيمِ، كَالْمُقِرِّ بِمُبْهَمٍ يُحْبَسُ
__________
(1) الاختيار 4 / 175، ومغني المحتاج 4 / 309، والمغني 7 / 834، 835، ومنتهى الإرادات 3 / 304، 305، وحاشية الدسوقي 2 / 112 و 4 / 242.
(2) التبصرة بهامش فتح العلي 2 / 294، وانظر الاختيارات الفقهية ص 300، 301.

الصفحة 204