كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 11)

إِرَبُهُ وَمَيْلُهُ، وَقَضَاؤُهُ عَلَى الْمُتَبَايِعَيْنِ عَقْلُهُ وَفِكْرَتُهُ، وَرَأْيُهُ وَمَنَاصِبُهُ وَوِلاَيَاتُهُ وَآرَاؤُهُ وَاجْتِهَادَاتُهُ، وَأَفْعَالُهُ الدِّينِيَّةُ فَهُوَ دِينُهُ، وَلاَ يَنْتَقِل شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِلْوَارِثِ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَرِثْ مُسْتَنَدَهُ وَأَصْلَهُ، وَانْتَقَل لِلْوَارِثِ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْبِيَاعَاتِ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
ثُمَّ قَال الْقَرَافِيُّ: إِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حُقُوقِ الأَْمْوَال - فِيمَا يُورَثُ - إِلاَّ صُورَتَانِ فِيمَا عَلِمْتُ: حَدُّ الْقَذْفِ وَقِصَاصُ الأَْطْرَافِ وَالْجُرْحِ وَالْمَنَافِعِ فِي الأَْعْضَاءِ. فَإِنَّ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ تَنْتَقِلاَنِ لِلْوَارِثِ، وَهُمَا لَيْسَتَا بِمَالٍ، لأَِجْل شِفَاءِ غَلِيل الْوَارِثِ بِمَا دَخَل عَلَى عِرْضِهِ مِنْ قَذْفِ مُوَرِّثِهِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا قِصَاصُ النَّفْسِ فَإِنَّهُ لاَ يُورَثُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قَبْل مَوْتِهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً؛ لأَِنَّ اسْتِحْقَاقَهُ فَرْعُ زَهُوقِ النَّفْسِ، فَلاَ يَقَعُ إِلاَّ لِلْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ (1) .
5 - وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْمُوَرِّثِ، وَيَجِبُ لَهُ بِمَوْتِهِ، كَالدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ فَلِلْوَرَثَةِ اسْتِيفَاؤُهُ.
وَمَا كَانَ وَاجِبًا لِلْمُوَرِّثِ فِي حَيَاتِهِ إِنْ كَانَ قَدْ طَالَبَ بِهِ، أَوْ هُوَ فِي يَدِهِ ثَبَتَ لِلْوَرَثَةِ إِرْثُهُ، وَذَلِكَ
__________
(1) الفروق 3 / 275 - 279، وبداية المجتهد 2 / 229 نشر مكتبة الكليات الأزهرية.
عَلَى تَفْصِيلٍ فِي الْمَذْهَبِ (1) .
6 - وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ التَّرِكَةَ هِيَ الْمَال فَقَطْ، وَيَدْخُل فِيهَا الدِّيَةُ الْوَاجِبَةُ بِالْقَتْل الْخَطَأِ، أَوْ بِالصُّلْحِ عَنْ عَمْدٍ، أَوْ بِانْقِلاَبِ الْقِصَاصِ بِعَفْوِ بَعْضِ الأَْوْلِيَاءِ، فَتُعْتَبَرُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ، حَتَّى تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَتُخْرَجَ وَصَايَاهُ، وَيَرِثُ الْبَاقِيَ وَرَثَتُهُ.
وَلاَ تَدْخُل الْحُقُوقُ فِي التَّرِكَةِ؛ لأَِنَّهَا لَيْسَتْ ثَابِتَةً بِالْحَدِيثِ، وَمَا لَمْ يَثْبُتْ لاَ يَكُونُ دَلِيلاً. وَلأَِنَّ الْحُقُوقَ لَيْسَتْ أَمْوَالاً، وَلاَ يُورَثُ مِنْهَا إِلاَّ مَا كَانَ تَابِعًا لِلْمَال أَوْ فِي مَعْنَى الْمَال، مِثْل حُقُوقِ الاِرْتِفَاقِ وَالتَّعَلِّي وَحَقِّ الْبَقَاءِ فِي الأَْرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ لِلْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ، أَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْحُقُوقِ فَلاَ يُعْتَبَرُ تَرِكَةً، كَحَقِّ الْخِيَارِ فِي السِّلْعَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا الْمُوَرِّثُ وَكَانَ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْخِيَارِ - كَمَا سَبَقَ - وَحَقُّ الاِنْتِفَاعِ بِمَا أُوصِيَ لَهُ بِهِ، وَمَاتَ قَبْل مُضِيِّ الْمُدَّةِ الَّتِي حَدَّدَهَا الْمُوصِي (2) .
قَال ابْنُ رُشْدٍ: وَعُمْدَةُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (وَالْحَنَابِلَةِ أَيْضًا) أَنَّ الأَْصْل هُوَ أَنْ تُورَثَ الْحُقُوقُ وَالأَْمْوَال، إِلاَّ مَا قَامَ دَلِيلٌ عَلَى مُفَارَقَةِ الْحَقِّ فِي هَذَا الْمَعْنَى لِلْمَال.
وَعُمْدَةُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الأَْصْل هُوَ أَنْ يُورَثَ الْمَال
__________
(1) القواعد لابن رجب ص 315 وما بعدها.
(2) ابن عابدين 5 / 483، وحاشية الفناري على شرح السراجية ص 13، والبدائع 7 / 386، وتبيين الحقائق 5 / 257 - 258.

الصفحة 209